حادث مروري خارج القاهرة ، ضحاياه من الأمريكيين والمصريين ، والكل يترقب كيف سيتم إنقاذ الضحايا ، الحافلة السياحية الفاخرة تهشمت بفعل المقطورة المعهودة في مثل هذه الحوادث ، وتأتي سيارات الإسعاف ، بل تأتي طائرات الإسعاف من القاهرة ، لتقل المصابين إلى أفضل المستشفيات في العاصمة ، الدنيا مقلوبة ، مسؤولون مدنيون ، ومسؤولون عسكريون ، كلهم في الموقع وكأن على رؤوسهم الطير ، ويتكرر المشهد للمرة الألف بعد الألف ، ينقل المصابون الأجانب ويترك المصريون كأنهم أعجاز نجل خاوية ، يتقلبون في دمائهم على قارعة الطريق ، يتمرغون على الأسفلت في مزيج من التراب والطين والدم ، ثم تمتد يد المسعفين لكي ينقذوا المصاب المسكين ، ولكن يتركونه حين يكتشفون حقيقته المخزية ، إنه مصري !
لقد تكرر هذا المشهد مئات وربما آلاف المرات ، ولكني ما زلت أذكر أقسى مرة حدث فيها هذا المشهد ، وكان ذلك في سيناء ، حين حدثت التفجيرات في فندق سونستا وفي قرية دهب . كان ذلك في أكتوبر 2004 ، وكان حادثا مفاجئا ، ولم يعرف حتى الآن فاعله الحقيقي ، وإن كانت الدولة المصرية حاولت تلفيقه لبعض الإسلاميين (كالعادة) …!
تناثرت الأشلاء ، وحين جاء المسعفون ورجال الأمن تركوا الضحايا من المصريين ينزفون حتى الموت ، ولم يكن لهم من هم سوى إسعاف الأجانب ، وكانت الأولوية للإسرائيليين بالذات ، ولا أحد قبلهم ! إنها خلاصة عهد ! إيها السادة ، نحن في عهد إسرائيل ، إنه العهد الإسرائيلي بامتياز !
أنه العهد الذي قصفت فيه الأقلام ، وأغلقت فيه الصحف ، وكممت فيه الأفواه ، وأممت فيه الثقافة ، وخصيت فيه الرجال ، وتعهرت فيه النساء ، وامتهنت فيه الكرامة ، وماتت فيه الشهامة ، وقتل فيه الشباب غرقاً في زوارق من ورق على شواطيء أوروبا ، وهلكت فيه النفوس غرقاً في العبارات ، وحرقاً في القطارات ، وضرباً مبرحاً على أيدي المخبرين في الشوارع والطرقات ، وذلاً في طوابير الخبز والأنابيب ، إنه عهد الذل المصري الشامل ، والعزة الإسرائيلية الكاملة التامة !
لا يحسبن أحد أنني أقحم هذه المواضيع في بعضها ، بل هي على اتصال وثيق ، ومن لا يستطيع رؤية هذه الجرائم المخزية التي حدثت خلال الثلاثين عاما الماضية ، وبين سيطرة إسرائيل على سياسة مصر الداخلية والخارجية ، فهو أعمى البصيرة !
إن مشهد موت المصريين مع وجود المسعفين على رؤوسهم ، يلخص بعبقرية شديدة قيمة المواطن المصري في نظر من يحكمه أولاً ، وفي نظر العالم كله ثانياً ، وتأكد أن الثانية نتيجة للأولى !
ما أجدر المصريين بنظام يحترم آدميتهم ، وما أجدر المصريين برئيس يدين لهم بالولاء . إن أولويات المسعفين ، تلخص أولويات الرئيس ! ولا عزاء للمصريين .
عبدالرحمن يوسف
[email protected]