قصيدة (بيادةٌ في الأقْصَى)

بيادةٌ في الأقْصَى

أقَصِيدَتي نَفَسٌ تَرَدَّدَ قَبْلَ ذَلكَ في رِئَاتِ الآخَرينْ؟

في أيِّ مَعْنًى كانَ مَطْرُوحًا على تِلْكَ الطَّريقِ تَعَثَّرَتْ؟

مِنْ أيِّ دَمْعٍ في الجُفُونِ تَأثَّرَتْ؟

هل خَطَّهَا في غَابِرِ الأزْمَانِ قَبْلي شَاعِرٌ

وأنَا اقْتِبَاسُ الغَابِرينْ؟

أمْ أنَّهَا أَصْدَاءُ مَنْ حَوْلي مِنَ الشُّعَرَاءِ؟

هَلْ سَتَكُونُ إلْهَامًا لِمَنْ بَعْدي

مِنَ السَّاعينَ للشِّعْرِ الرَّصينْ؟

*       *       *

حَجَرٌ بِكَفِّ الطِّفْلِ في الأَقْصَى

يُذَكِّرُني بِبَعْضِ قَصَائِدي

تِلْكَ التي نَفَسٌ تَرَدَّدَ في رِئاتِ الآخرينَ

فَذَلِكَ الحَجَرُ المُدَوَّرُ كَمْ تَكَرَّرَ في أيادٍ قاوَمَتْ..

قَدْ كَانَ يَوْمًا قِطْعَةً مِنْ صَخْرَةٍ في مِنْجَنِيقٍ

دَكَّ أَسْوَارَ المَدينةِ والقِلاعْ..

كَيْ يَسْتَطيعَ “صَلاحُ” يَفْتَحُهَا

ومَا كُلُّ الصَّلاحِ بِمُسْتَطَاعْ..

وأَرى شُمُوخَ القُدِسِ عَبْرَ فَتًى شُجَاعْ..

كَزَرَافَةٍ بَيْنَ الضِّبَاعْ..

كَمَآذِنِ الأَقْصَى تُلَوِّحُ آخرَ الشَّهْرِ المُكَرَّمِ بالوَدَاعْ..

هَذَا الصُّمُود مَدَحْتُهُ في ألْفِ مُعْتَقَلٍ بأرْضِ النِّيلِ

حَتَّى جَفَّ مِنْ مَدْحِي اليَرَاعْ..

*       *       *

يا لائِمِي فيمَا كَتَبْتُ اسْمَعْ قَصِيدًا قَدْ بَدَا مُتَحَفِّزًا

كَعُيُونِ مُعْتَكِفِينَ في الأَقْصَى المَحَاصَرِ سَاهَرَةْ..

إنِّي شَمَمْتُ الغَازَ ذَاتَ الغَازِ

في قَلْبِ المَسَاجِدِ والمَشَافي في بِلادي الطَّاهِرَةْ..

وبِيَادَةُ الجُنْدِيِّ تَهْتِكُ حُرْمَةَ الأَقْصَى

تُذَكِّرُنِي بِأَلْفِ بِيَادَةٍ هَتَكَتْ مَسَاجِدَنَا بِقَلْبِ القَاهِرَةْ..

كَمْ حَدَّقَتْ عَيْنِي بِعَيْنِ الضَّابِطِ القَنَّاصِ في “التَّحْرِيرِ”

وهْوَ يُنَسِّقُ المَوْتَ البَذِيءَ لِذِي الجُمُوعِ الثَّائِرَةْ..

فَرَأَيْتُ كُلَّ رَصَاصَةٍ في مِصْرَ

قَدْ قَتَلَتْ شَهيدًا في رُبُوعِ النَّاصِرَةْ..

ورَأَيْتُ شَكْلَ خَطِيئَةِ التَّنْسِيقِ بَيْنَ مُسَيَّرَاتِ عَدُوِّنَا

ومُجَنْزَرَاتِ جُيُوشِنَا جَبَلا مِنَ الأَمْوَاتِ..

وقَصيدَتي قَدْ آمَنَتْ بِتَنَاسُخِ الأرْواحِ للكَلِمَاتِ..

كَمْ لَقَّنَتْ تِلْكَ القَصيدةُ جَيْشَ “هولاكو” مِنَ الطَّعَنَاتِ..

وبيَوْمِنَا قَدْ عَالَجَتْ آيَاتُهَا

في وَجْهِ غَزَّةَ زُرْقَةَ الكَدَمَاتِ..

كَمْ وَجَّهَتْ نَحْوَ الضِّبَاعِ على العُرُوشَ مُدَبَّبَ اللَّكَمَاتِ..

واسْتَخْرَجَ الثُّوَّارُ في بَغْدَادَ مِنْ أَهْدَابِهَا

سَيْلا مِنَ الصَّرَخَات..

واسْتَخْدَمُوهَا في دِمَشْقَ

كَقُبْلَةٍ تُرْمَى على ثُوَّارِهَا وَرْدًا مِنَ الشُّرُفَاتِ..

هَذي القَصَيدَةُ لا تَرَى خَطَّ الزَّمَانِ إذا مَضَى

كَيْمَا تَرَى خَطَّ الزَّمَانِ الآتِي..

وبأيِّمَا أَرْضٍ سَتَغْرِسُهَا

سَتُنْبِتُ أطْيَبَ الأَزْهَارِ والبَارُودِ والبَرَكَاتِ..

*       *       *

كَمْ قيلَ لي لَمَّا تَرَكْتُ لِسَانَ أَشْعَاري يَدُكُّ عُرُوشَهُمْ

أنِّي عَدِيمُ الذَّوْقِ والأَدَبِ..

ووَجَدْتُ نَفْسِي بَعْدَ عُمْرٍ في هِجَاءِ الظُّلْمِ

مَكْبُوتًا ومَا نَفَّسْتُ عَنْ غَضَبِي !

فَأرى مُسَيْلِمَةً على الشَّاشَاتِ يَتْلُو سُورَةَ الكَذِبِ..

وأنَا الوَحيدُ.. قَصيدَتِي كَسَفِينَةٍ لا ذَاتِ أَلْوَاحٍ ولا دُسُرٍ

تُنَاضَلُ عَبْرَ مَوْجٍ صَاخِبٍ لَجِبِ..

كَفَنِي على كَتِفِي وأَهْجُو دُونَمَا تَعَبِ..

وأَرَى ابْتِسَامَاتِ الأَسَارى في رُبُوعِ المَسْجِدِ الأقْصَى

تُذَكِّرُنِي بِبَسْمَاتِ الذين اسْتُشْهِدُوا

في جُمْعَةِ الغَضَبِ..

وبَنُو العُمُومَةِ في صُفُوفِ عَسَاكَر المُحْتَلِّ

أخْزَى مِنْ أبِي لَهَبِ..

وَوَضَاعَةُ الجُنْدِيِّ في الأَقْصَى

تُذَكِّرُنِي بِجُنْدِيٍّ بأرْضِي لَقَّبُوهُ مُكَافِحَ الشَّغَبِ..

كُلُّ الهِجَاءِ كَتَبْتُهُ في هَؤلاءِ وهَؤلاءِ

وقَدْ عَرَفْتُ الآنَ

أنْ لا فَرْقَ بَيْنَ رَئيسِ أرْكَانِ العَدُوِّ وقَادَةِ العَرَبِ..

*       *       *

هذي القَصيدَةُ مِثْلُ أنْفَاسٍ تَنَقَّلُ

مِنْ رِئَاتِ الصَّامِدينَ بذا الزَّمَانِ

إلى الذين سَيَصْمُدُونَ بَرَغْمِ طَعْنَاتِ الزَّمَانْ..

هَذي القَصيدَةُ لَيْسَ شَاعِرُهَا بِشَاعِرِهَا

ولا أبْطَالُهَا أبْطَالُهَا

وبِلادُهَا اتَّسَعَتْ كَثيرًا

كُلُّ مَنْ مُدِحُوا بِهَا مُدِحُوا على التَّعْمِيمِ لا التَّخْصِيصِ

قَدْ حَلَّ الهِجَاءُ بِهَا على صِفَةِ الخِيانَةِ

والتَّخَاذُلِ والهَوَانْ..

هَذي القَصِيدَةُ رُبَّمَا تُلِيَتْ على أَسْمَاعِ مَنْ سَبَقُوا

وقَدْ تُتْلَى لِمَنْ لَحِقُوا

لَعَلَّكَ سَامِعٌ أَبْيَاتَهَا في القُدْسِ

أو في مِصْرَ

أو في اللِّدِّ

أو بَغْدَادَ أو بَيْرُوتَ

أو كَرَكَاسَ أو نويوركَ أو بَاريسَ أو عمّانْ..

هَذي القَصِيدَةُ لَيْسَ يَحْبِسُهَا الزَّمَانُ ولا المَكَانْ..

فَلِمَنْ سَتُنْسَبُ في كِتَابِ الشِّعْرِ؟

لا أَدْرِي..

وعَنْ أَيِّ المَرَاحِلِ مِنْ مَآسينَا تَبُوحَ؟

ومَا التُّراثُ أو الحَدَاثَةُ بَيْنَ أسْطُرِهَا؟

وهَلْ هِيَ وَصْفُ مَاضِينا؟

أمِ اسْتِشْرَافُ مَا يَأْتِي؟

تَشَابَهَتِ المَرَاحِلُ

والقَصِيدَةُ تَصْرُخُ الآهَاتُ فيها:

“كَمْ قَطَعْنَا بالقَصيدَةِ والرَّصَاصَةِ للعَدُوِّ بَرَاثِنَهْ” !

فَنَظَرْتُ للأقْصَى وقَدْ غَطَّى الدُّخَانُ مَحَاسِنَهْ..

فوجَدْتُهُ مَا زَالَ مُعْتَصِمًا بِقُبَّتِهِ

ويُمْسِكُ أَنْ تَزُولَ مَآذِنَهْ..

وبِعَيْنِهِ الحَمْرَاءَ إثْرَ قَنَابِلِ الغَازِ المُسَيِّلِ للدُّمُوعِ

بَكَى حُرُوفًا سَاخِنَةْ..

ورَمَى إليَّ وُرَيْقَةً كُتِبَتْ بِصِدْقِ بَلاغَةِ الأَطْفَالِ تَحْتَ القَصْفِ

(أَنَّ الأَرْضَ بالشَّعْبِ المُعَظَّمِ آمِنَةْ..)

وأضَافَ: (أنْ لا نَصْرَ حَينَ يَكُونُ قَائِدُكُمْ خَسِيسًا لِصَّا..

لا سَقْفَ في حُلْمِ البَلابِلِ رِغْم إِمْعَانِ المُعَذِّبِ قَفْصَا..

يَا مَنْ يرى الأقْصَى كَأَقْدَسِ بُقْعَةٍ

كُلُّ المَسَاجِدِ حينَ تَهْتِكُهَا البيَادَةُ “أقْصَى”) !

فَنَظَرْتُ نَحْوَ الليْلِ والرَّشَقَاتُ تَرْسُمُ رَقْصَةً مُتَوَازِنَةْ..

وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّصْرَ سَوْفَ يَجِيءُ بالضُّعَفَاءِ والشُّرَفَاءِ

لا بِجُيُوشِ ذُلٍّ خَائِنَةْ..

وعَرَفْتُ أَنَّ جَميعَ مَنْ قَمَعُوا الشُّعُوبَ صَهَايِنَةْ..

شعر: عبدالرحمن يوسف

الدوحة         مايو 2021

القصيدة منشورة بموقع عربي 21 بتاريخ 17 مايو 2021 م

رابط القصيدة 

المقال السابق

بيان فلسطين عربية مايو 2021

المقال التالي
Video featured image

بيادة في الأقصى قصيدة الشاعر عبد الرحمن يوسف الجديدة - مايو 2021

Total
0
Share