الشيخ الغريب

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 14-1-2013 م 


يقول المصريون فى المثل الشعبى: «الشيخ الغريب سره باتع»! هل هذا ما حدث مع فضيلة الشيخ محمد العريفى ؟ فى رأيى إن هذا جزء صغير مما حدث، ولكن لنكون واقعيين، لا بد أن نرى المشهد من شرفة أكثر اتساعاً من شرفة المثل الشعبى. لقد خطب الرجل خطبة جميلة عن مصر وأهل مصر، فذاعت وانتشرت، وفرح بها المصريون، وكان ذلك لأنها جاءت فى لحظة يمر بها كثير من المصريين بحالة اهتزاز للثقة فى النفس، وأيضاً بسبب السر الباتع الذى يحظى به الشيخ الغريب، وهو نفس السبب الذى يجعل زامر الحى لا يطرب! حين جاء الشيخ إلى مصر وخطب فى مسجد عمرو بن العاص، حاول البعض توريطه فى صراعات السياسة الداخلية المصرية، وأقحموا الخطبة فى أتون المعركة، رغم حرص الشيخ الشديد على عدم التورط فى وحل السياسة، وعلى إبقاء ثوبه بعيداً عن كير الاستقطاب السياسى، ولكن – وللأسف – تعمد البعض الإساءة للشيخ، وتصوير الرجل على أنه يعمل لحساب طرف ضد طرف، وهو أمر أجزم أنه بعيد عن الحقيقة، ولم أقل ذلك إلا بعد أن سمعت الخطبة من أولها إلى آخرها. 


مبالغة البعض فى الاحتفاء بخطبة الشيخ، وكأن مصر لم تعرف قدرها إلا حين تحدث عنها الشيخ العريفى، لا تقل تطرفاً عن القدح فى الشيخ، لأنه قال كلاماً جميلاً عن مصر. إخواننا العرب فى حرج، هم إن لم يدعمونا لاقوا منا أشد النقد، لأنهم يتنكرون لأيادينا البيضاء عليهم فى عهود سابقة، وإن مدوا يد العون وجدوا شكوكا لا أول لها ولا آخر، تتعلق بأغراضهم الخبيثة من مد يد العون، والصفقات السرية التى تضر بشعب مصر، وكيف أنه لا يمكن أن يدفع هؤلاء العرب قرشاً لمصلحة مصر! والحقيقة التى لا يدركها المصريون، أن العرب يستثمرون فى مصر لأنها أفضل بلد للاستثمار أولاً، فهى أكثر البلدان استقراراً بالنسبة لهم، وأكثر البلاد اعتدالاً فى الجو، وغالبية من استثمر فى مصر استثمر فى بلدان عربية أخرى (لبنان وسوريا والأردن والعراق وغيرها)، فكانت استثمارات مصر هى الأفضل بلا منازع، يستوى فى ذلك الاستثمارات الكبرى، والاستثمارات الصغيرة. 


لذلك لا ينبغى أن نستغرب أن الدولة الفلانية استثمرت فى مصر، ولا تستغربوا أن الشركات العربية تسعى للاستثمار فى مصر، لأن التجربة العملية أثبتت أنها بلد مستقر، يمرض ولا يموت، ويحفظ حقوق الجوار والرحم مهما بلغت الخلافات السياسية، والتاريخ يشهد. ساءنى وساء كثيرين الكلام الذى طال الشيخ العريفى من تشكيك فى نيته، ومن تفسير خاطئ ساذج كاذب لبعض فتاواه، وهذا إن دل على شىء فيدل على جهل كبير، ويدل على أن بعض الناس قد أصابتهم «فوبيا المشايخ»، والحق أن المشكلة تكمن فى أننا لم نعد نجد مشايخ يفهمون الدين ويعلمونه كما أنزله الله، بدون زيادات المغالين، وانتحال المبطلين، بدون إفراط أو تفريط، ومن المؤسف أن نشكك فى الشيوخ الذين يقدمون رسالة الإسلام بشكل سليم! لم يكن هدف الشيخ دغدغة مشاعر المصريين، وإن كان هذا هدفه، فهو أمر بينه وبين ربه، ولكن تحليل لغة الخطاب تقول إن هذا الرجل يتحدث من قلبه، خصوصاً أنه لم يبالغ فى تملق أحد. 


شكراً للشيخ العريفى، وإن كان لى من كلمة أوجهها له، فإنى أقول له.. احذر يا أخى الكريم من أن تتورط فى مستنقع السياسة المصرية بأى شكل من الأشكال، فقد احترقت رموز كثيرة بذلك، فاحتفظ بثوبك أبيض، لا يمسه دنس السياسة، ولا رجس السياسيين. أما إذا تكررت الزيارات وجَرَّكَ البعض إلى التعليق على الأحداث المصرية، فسوف تصبح شيخاً «محلياً»، وسيذهب عنك تأثير الشيخ الغريب، و«سره الباتع». فضيلة الشيخ.. جزاك الله خيرا.

المقال السابق

كيف تدعم مرشحاً شابا؟

المقال التالي

البرلمان القادم

منشورات ذات صلة
Total
0
Share