الدين لله ، والوطن للرئيس …!

ما أكثر ما كتب عن حادث تفجير كنيسة القديسَيْن بالإسكندرية ، وما أصعب أن أضيف اليوم جديدا في الأمر ، ولكني ما زلت أرى بعض الأشياء التي لم يعلق عليها أحد فيما أعتقد ، وأرى من الواجب عليَّ أن أفكر فيها بصوت عال مع القراء الأعزاء .  


لا بد أن نعترف بأن هذا الحادث ليس الحادث الأول ، ولن يكون الحادث الأخير …! 

ولا بد أن نعترف أنه حادث طائفي ، موجه ضد الأقباط ، وأنه ليس موجها ضد مصر كما يظن البعض ، وأن من ارتكبه يظن أنه قد تقرب إلى الله ، وأن من ارتكبه مسلم بنسبة  99.9% ، و أنه لو عادت به الأيام سيكرر فعلته نظرا لإيمانه الشديد بما فعله  ! 


لا بد أن نعترف كذلك بأننا (مسلمين ومسيحيين) نملك قدرا كبيرا من سوء الظن المتبادل (لن أقول الكره) ، وأن كل طرف فينا يعتبر الطرف الآخر على خطأ في كل مواقفه وأفكاره ومعتقداته ، أو لنقل إن غالبيتنا (من الطرفين) كذلك . 


هذا هو تشخيص المرض في رأيي الشخصي ، ولكي نصل للعلاج ، لا بد أن نعرف أسباب المرض أولا . في رأيي الشخصي هناك سبب واحد في الوصول بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين إلى هذا المستوى المخجل من التدهور ، وهو باختصار : الاستبداد السياسي …! 


سيثور عليَّ البعض الآن ، وسيقولون لي أنت ترى السياسة في كل شيء في الحياة ، وأنك مغرم بتحميل النظام مسؤولية الكون ، وأنك لا تستطيع أن تعيش بدون أن تقاوم نظاما ما ، وأن المسألة عقدة شخصية أكثر من كونها حقيقة على الأرض  …! 


وأنا بدوري سأتظاهر بالديمقراطية وأحترم هذه الآراء جميعها ، ولكني سأرد عليها كذلك …! 

ردي على هذا الكلام يتلخص في التالي  : إن ملف الأقباط ، أو الوحدة الوطنية ، أو الفتنة الطائفية (سمه ماشئت) ، ملف سياسي بامتياز ، وهذا أمر لا خلاف عليه بين العقلاء ، فتلك حقيقة مسلـّمة لا شك فيها ، هل في ذلك شك ؟ حسنا ، إذا اتفقنا على ذلك (وأتمنى أن لا يخرج لي رأي شاذ بغير ذلك) ، إذا اتفقنا على ذلك ، فلا شك أننا سنتفق على أن تحويل هذا الملف السياسي ، إلى ملف أمني كان أساس المشكلة  ! 


إن هذا الموضوع لا يمكن أن يحله سوى رجال السياسة العقلاء ، أما تحويله لمجموعة من ضباط أمن الدولة ، يتحكمون فيه بأفقهم المسدود ، وفكرهم المتحجر ، وغبائهم الفطري ، لمدة ستين عاما ، فلا شك أننا سنجد أنفسنا في أزمة كبيرة  …! 


من الذي قرر حرمان المصريين الأقباط من خدمة مصر في أماكن حساسة مثل أمن الدولة والمخابرات ؟ من الذي قرر أن يمنع الأقباط من تولي مسؤوليات كثيرة في كثير من المواقع ، مثل عمادة الكليات ، ورئاسة الجامعات …؟ من الذي قرر أن يغذي التيار السلفي الذي ينظر للأقباط نظرة تغاير تاريخ مصر كلها ، وذلك نكاية في الإخوان المسلمين …؟ من الذي قرر أن يعين الأقباط في المجالس النيابية ، وأن يختار أسوأ من يمثل الأقباط في هذه التعيينات …؟ من الذي دفع المصريين المسيحيين دفعا للاحتماء بالكنيسة من ظلم الدولة …؟ إن الذي قرر جميع هذه القرارات هم رجال الأمن …! 


سيقول لي قائل : ولكن المسلمين المصريين قد أيدوا ذلك ، وهناك الكثير من المواطنين العاديين يمارسون هذا التمييز وهم يتخيلون أنهم يتقربون إلى الله ، تماما مثل الانتحاري الذي فجر كنيسة القديسَيْن  !!! 


سأقول : هذا صحيح ، ولكنه الفصل العاشر من الرواية  …! 
أما الفصل الأول فهو قرار مجموعة من الضباط بإقصاء طائفة من الشعب المصري ، والتقليل من حقوقهم كمواطنين  !!! 

لست على استعداد لأن أدخل في مهاترة إن الأقباط يقومون بأفعال عدائية ضد المسلمين ، وأنهم يحملون حقدا ضد المسلمين … الخ 


لأن الحقيقة المرة ، أن ذلك أيضا يعتبر جزء من الفصل العاشر في الحكاية ، أما الفصل الأول ، فهو قرارات اتخذها مجموعة من الضباط ، شجعت التطرف داخل المسيحيين على أن يكون لغة سائدة …! 

وهذه القرارات تسببت في تيار تطرف داخل المسلمين كذلك ، وبعد أن تغذي تيار التطرف في الفريقين ، لا تستغرب إذا حدث اشتباكات متوالية …!!! 

إن مصر الآن تمر بمرحلة من أقذر مراحلها التاريخية ، فيتم إضعاف جميع مؤسسات الدولة من أجل أن يستمر النظام ، ويتم الفتك بالنسيج الاجتماعي المصري ، لكي تسهل عملية قيادة المصريين ، أي أننا أمام عملية هدم منظم للجسد المصري ليسهل التحكم فيه من رئيس فاقد للشرعية ، محدود الذكاء ، عديم المواهب …! لقد أصبح الدين لله ، والوطن للرئيس …! 

تحدثت الآن عن طبيعة المرض ، وعن سببه ، بقي الآن أن أتحدث عن طريقة علاجه ، وتتلخص في التغيير السياسي الذي ينتج عنه دولة مدنية تحترم جميع المواطنين ، وتعطيهم حقوقا متساوية ، ولا تمن عليهم بهذه الحقوق ، ولا تستطيع أن تحرمهم من هذه الحقوق ، لأن فيها قضاء مستقلا ، ولأن فيها برلمانا منتخبا  …! 


لو حدث ذلك ، سيمر بعض الوقت ، ويتعافى الجسم المصري من هذا المرض القاتل ، وسترى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة طبيعية  … ولن ترى المصريين المسيحيين يقولون عن المصريين المسلمين بأنهم محتلون لمصر  … ولن ترى المسلمين المصريين يقولون عن المصريين المسيحيين بأنهم كفاتسة  !!! 

والله يسدد الخطا …  


عبدالرحمن يوسف
 [email protected] 

المقال السابق
Video featured image

أمسية الشاعر عبدالرحمن يوسف بالمملكة الأردنية

المقال التالي
Video featured image

قصيدة ( قصيدة هذا المساء ) للشاعر عبدالرحمن يوسف

منشورات ذات صلة
Total
0
Share