الخوف من استمرار الحياة

  المقال منشور بجريدة اليوم السابع 1-1-2012 م 

وكنت أظن أننى سأظل شابا ما حييت، لا لشىء سوى لأننى كنت أشعر أننى سأموت مبكرا. وكنت أظن أننى لن أعمر، وكنت أظن أن تقدمى فى العمر سيغير هذا الشعور، ولكن ما حدث أننى كلما كبرت شعرت بأننى أشم أنفاس الموت تقترب من وجهى. اليوم بداية عام جديد، وكنت من الذين لا يتعبون أنفسهم فى عد الأيام والليالى، بل كنت أفضل أن أوظف الوقت، بأن أعمق التجارب لكى يطول عمرى بالعمق لا بالطول. 

لماذا يشعر بعضنا أن الحياة قصيرة؟ لا أدرى! اليوم أشعر أننى هرمت، لا، أشعر أننى لم أعد شابا كما كنت، بل أشعر أننى مريض، أو أشعر أننى مهدد، بالضبط.. هذا هو التعبير الصحيح، أنا مهدد بتهديد وجودى، تهديد يتعلق بكينونتى كإنسان. 

ما هو الإنسان؟ الإنسان كائن حى يتذكر. سيقول البعض ولكن الإنسان بطبعه ينسى، هكذا خلقه الله.


سأقول، ونعم بالله، ولكن حين ينسى الإنسان أحبابه، حين ينسى التفاصيل الحميمة، حين ينسى الأمور الحياتية المهمة.. يصبح شخصا آخر، الإنسان الذى لا يتذكر يصبح حطام إنسان، أو يصبح مثلى إنسانا مهددا، ما قيمة الإنسان بدون شريحة الذاكرة الربانية؟ كيف نسيت كل هذه الأشياء؟ كنت أحفظ أكثر من نصف القرآن، كنت أحفظ غالبية حماسة أبى تمام، كنت أحفظ عشرات القصائد للمتنبى وابن الفارض وابن الرومى وعشرات غيرهم، أحيانا أبدأ بالاستشهاد وأفاجأ بأننى قد توقفت كقطار خرج عن القضبان، أحيانا أكمل البيت بالتوقع لا بالحفظ. 

لقد حظيت من الحياة بأكثر مما توقعت، لقد ربحت الرهانات الكبرى التى رهنت لها عمرى، وأشعر أننى راض كل الرضا، ولا أجد غضاضة فى رحيل هادئ. 


تمنى الموت منهى عنه، ولكن قد تحدث للإنسان فى حياته أشياء كان يتمنى أن يموت قبل أن تحدث له. كيف سينتهى عمرى؟ هل سيرسل الله لى قطعة صغيرة من الحديد؟ تلك التى تأخذ صاحبها إلى الجنة بسرعة!. 


لا أستحق..! وكنت شابا حاد الذاكرة، متيقظ الحواس، وكنت أتذكر الوجوه وإن تغيرت بالسن، أحفظ النصوص «التى تعجبنى» فى وقت سريع، وكنت أتذكر أرقام الهواتف، وكنت أتذكر أرقام السيارات بطريقة مدهشة، فكنت أقرأ أرقام السيارة التى خلفى بالنظر لها معكوسة فى مرآة السائق، لذلك لم تستطع كل الجهات الأمنية أن تراقبنى لأننى كنت أكشف المراقبة فورا بدون أن أنظر خلفى! اليوم صرت أنسى. ونسيت ذكرى رحيل أستاذى ووالدى وصديقى الدكتور أحمد صدقى الدجانى أبى الطيب رحمه الله.

نسيت ذكراه الثامنة التى وافقت يوم الخميس 29 /12 /2011، وللمرة الأولى أكون فى القاهرة فى هذا اليوم ولا أقرأ الفاتحة على قبره. لو مد الله فى العمر فماذا يمكن أن أنسى أيضا؟ البعض يخاف الموت، والبعض يخاف من استمرار الحياة.

رابط المقال على موقع اليوم السابع

المقال السابق

لأننا نحترم الشرطة المصرية

المقال التالي

شرعية أبى جهل «1»

منشورات ذات صلة
Total
0
Share