الخلايا النائمة

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 2-9-2013 م

أطلق البعض منذ عدة شهور مصطلح «الخلايا النائمة»، والمقصود خلايا نائمة تعمل لصالح الإخوان المسلمين، طابور خامس يتظاهر باستقلاله عن الجماعة وهم ينتمون إليها، هم – فى رأى من أطلق عليهم هذا اللفظ – خونة، لا ينتمون لمصر، وذلك فى محاولة مكشوفة لترهيب أى شخص أو مؤسسة أو كيان من أن يظهر أى شكل من التعاطف أمام أى جريمة تتم ضد الشعب المصرى بحجة أنها ضد الإخوان المسلمين. بعد السقوط المدوى المستحق لجماعة الإخوان التى انقلبت على ثورة يناير، أصبحت المبالغات ممجوجة، وأصبح هؤلاء أعنى «صائدى الخلايا» يمارسون هذا الترهيب بشكل أخرق، لذلك وجب الرد عليهم على عجالة. هؤلاء الذين أطلقوا هذا المصطلح ستجد أن لهم صفات محددة، تجتمع فى الواحد منهم كلها أو بعضها:


الصفة الأولى: أن أغلبهم له انقلابات دراماتيكية فى آرائه السياسية، فهو شخص غير جدير بالثقة أصلا، فترى الواحد منهم قد عرفه الناس لأنه من أكبر المعارضين لمبارك أو للحكم العسكرى، ثم تراه فى اللحظة التى يحددها له أسياده ينتقل من حال إلى حال، ومن المعارضة إلى الموالاة، ومن الأبيض إلى الأسود، بشكل يدفع كل عاقل إلى التشكك فى حقيقة مواقفهم ودوافعهم.بعضهم كان داخل جماعة الإخوان نفسها لسنوات، وبعضهم كان من القيادات العليا، ثم انقلب عليها انقلابا يتعلم المرء منه معنى الفجر فى الخصومة، فليس عيبا أن تخرج من جماعة أو حزب ولكن العيب أن تصف خليلك بالأمس بكل صفات السوء زاعما أنك لم تكتشف ذلك إلا الآن، وهذا فارق مهم بين من يترك جماعة فى إطار خلاف فكرى، وبين من يتحول إلى ذئب ينهش فى الأعراض. الصفة الثانية: أغلبهم تافه فارغ، لا إنجاز له فى الفكر أو السياسة أو غيرها، يحاول أن يُنَظِّرَ للحرية وهو عبد، ترى الواحد منهم يتحدث عن كل المبادئ العظيمة ولكن لنفسه ولحزبه فقط، ومع الآخرين تراه يبرر كل الموبقات، من الإقصاء إلى القتل. إنهم ضيقو الأفق، يخلطون بين الثابت والمتغير، وبين العرض والجوهر، ويريدون من الناس كلهم أن يكونوا بهذه التفاهة والسطحية، وإلا أطلقوا عليهم لفظ «خلايا نائمة».

الصفة الثالثة: لا يوقرون كبيرا، ولا يرحمون صغيرا، شَتَّامون إذا هزموا، شامتون إذا انتصروا، لا يعرفون شرفا فى الخصومة، ولم يتربوا على أخلاق الفرسان، ديدنهم التطاول والبذاءة ضد كل من يخالفهم، وتراهم – جميعا – يستخدمون التهم نفسها، والعبارات ذاتها، وكأن غرفة عمليات واحدة تحرك الجميع. الصفة الرابعة: لا يجرؤون على المواجهة، فالإعلاميون منهم يُسَخِّرُونَ الساعات الطوال للنِّيْلِ من «الخلايا النائمة» تلك، ولكنهم لا يجرؤون على استضافة واحد منهم ولو مرة واحدة، بل إن بعضهم لا يجرؤ على أن يُرِى وجهه لأحد من تلك الخلايا فى أى لقاء مفتوح، بل لا أبالغ إذا قلت إن أحدهم هرب من مناسبة عامة دعى إليها لأنه عرف أن إحدى «الخلايا» فى الطريق لذات المناسبة! إنهم أشجع الناس أمام الكاميرات، ولكنهم أجبن الناس إذا واجهتهم، ولا يخفى على القارئ الكريم فضيحة أحدهم حين تطاول على بعض «الخلايا» ففضح على شاشات التلفاز، ولم يستطع إلا أن يعترف كيف أنه كان عبدا ذليلا لأمن الدولة، فى عهد مبارك، وأنه حين أمر بترك الجمعية الوطنية للتغيير انسحب صاغرا ذليلا وأوقف حسابه على الفيس بوك لدرء الشبهات كى يرضى أسياده، هذه هى حقيقتهم، عبيد لكل سلطة، مطية لكل قوى، وجل خلافهم مع أى اتجاه أو حزب أو جماعة هو خلاف على الغنائم لا المبادئ.

إن حديث «الخلايا النائمة» بدأ فى الوقت نفسه من عدة أشخاص، بعضهم من القيادات الإخوانية السابقة التى لم يكن لها أى طموح سوى منصب داخل الجماعة، والكل يعرف ذلك، أو ممن كانت معارضتهم وهمية فى عصر مبارك، فهم إما كانوا طامحين لمنصب داخل دولة مبارك، أو عملاء لأمن الدولة مذ عملوا فى الصحف الحكومية التى يترأس تحريرها صحفيون هم فى حقيقة الأمر ضباط مخابرات! لذلك أقول بكل ثقة، إن من بدأ حديث «الخلايا النائمة» هم مجموعة من «الخلايا النائمة» التى زرعتها أجهزة الأمن داخل المعارضة المصرية، وهم يؤدون اليوم دورهم داخل الجماعة الوطنية، لشق الصف، ولمنع أى شكل من أشكال المصالحة التى قد توقف سفك الدماء. إنهم مجموعة من الموتورين المأجورين، وإذا لم تصدقنى فابحث عن تاريخ كل منهم، وكيف تتغير أراؤه حسب الموجة، وكيف تتبدل مساحة معارضته حسب المساحة المسموح بها من الدولة، والدليل على ذلك تراخيص صحفهم، وسماح أمن الدولة لهم بالتضخم فى عصر مبارك، وأنهم قد راكموا ثروات بالملايين فى عصر مبارك نفسه، فى حين كان الشرفاء لا يجدون عملا شريفا يكفل لهم بعض الملاليم.  بقيت كلمة أخيرة لابد منها، هناك آلاف الشرفاء الذين يستخدمون هذا المصطلح الذى أطلقه هؤلاء، وبالطبع لا ينطبق عليهم كلامى فى هذا المقال، ولكن لا شك أنهم غافلون عن حقيقة الأمر، يصدقون من لا يستحق أن يصدق، وينجرون بسبب كره الإخوان إلى استقطاب مقيت آن له أن ينتهى، قبل أن تحترق مصر!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين…

المقال السابق

كوبرى 30 يونيو

المقال التالي

أوهام اللحظة الحلوة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share