الخلافة والإسلام السياسى

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 12-11-2012 م 


يتحدث تيار الإسلام السياسى دائما عن حلم قديم هو عودة الخلافة الإسلامية، والحقيقة أن هذا الحلم يحمل من الرومانسية التاريخية أكثر مما يحمل من قابلية التنفيذ الآن، وهو مشروع عاطفى لا يجب تنفيذه أصلا، حتى بمقياس الدين الحنيف. طبعا سيقول الكثيرون إن الإسلام يفرض الخلافة، والحقيقة غير ذلك، فالإسلام لم يفرض شكلا معينا للحكم، ولكن فرض قواعد عامة للحكم. فمثلا.. فرض الإسلام على المسلمين الوحدة، فقال سبحانه وتعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، فالفريضة هنا هى الوحدة وعدم الفرقة، وقد تواترت الآيات والأحاديث بذلك، ولكن كيف تتم هذه الوحدة؟ لم يحدد الشارع الكريم ذلك، فمن الممكن أن تتم بنظام فيدرالى أو بنظام كونفيدرالى، أو بأى شكل يضمن توحد مواقف الأمة فى وجه أعدائها، ويضمن التوزيع العادل للثروات على كل المواطنين أصحاب الأرض من سائر الديانات، ويضمن تحقيق العدالة بين الناس. 


الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام اجتهدوا، واخترعوا نظاما جديدا هو نظام الخلافة. هذا النظام فى ذلك الوقت كان نقلة فى الشكل السياسى للدولة، وكان نواة لنظام سياسى استطاع أن يتطور ويصمد مئات السنين، ولكنه فى النهاية اختراع بشرى، نتفق مع بعضه ونختلف مع بعضه، لأنه اجتهاد لا نص فيه. 


اليوم لا يمكن تطبيق الخلافة كما جاءت فى كتب الفقه، لأن كتب الفقه تتحدث عن الخليفة (المجتهد المطلق)، أى أنه فقيه فى الدين، كما أن هذا الخليفة يجمع السلطات الثلاث فى يديه، فهو رئيس السلطة التنفيذية، ورئيس السلطة التشريعية، ورئيس السلطة القضائية (لأنه من يعين قاضى القضاة). وبالتالى صلاحيات هذا الخليفة أكبر من صلاحيات حسنى مبارك، بل أكبر من صلاحيات هتلر! هذا الشكل من أشكال قيادة الدولة كان مقبولا فى عصور مضت، ولكنه لم يعد مقبولا الآن، بعد أن أصبحت الدول تدار بمؤسسات، والشريعة تمنح البشر حق تطوير تجاربهم فى المسكوت عنه، ومن حقنا بل من واجبنا أن نجتهد فى شكل النظم السياسية التى تلائمنا، تماما كما فعل الصحابة عليهم رضوان الله فى السقيفة بعد وفاة النبى الكريم عليه الصلاة والسلام. اليوم.. هناك مزاد مفتوح لابتزاز مشاعر الناس باسم الخلافة، وأغلب من يتحدثون فى الأمر لا يعرفون شيئا عن السياسة الشرعية على منهاج النبوة. 


عاشت مصر للمصريين وبالمصريين… 

المقال السابق

عمال وفلاحون مع المستشار الغريانى

المقال التالي

أجمل ما فى المشهد

منشورات ذات صلة
Total
0
Share