الحديث باسم الصامتين

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 29-11-2011 م 


من ألطف الحيل التى يقوم بها بعض فلول النظام المخلوع أن يقولوا «نحن نتحدث باسم الأغلبية الصامتة»، بل إن بعضهم يتجرأ ويرفع صورته على لافتات ويرشح نفسه باسم هذه الأغلبية المزعومة، وكأن هؤلاء الصامتين لا يملكون ألسنة لتفويض من يريدونه بما يريدونه.  


وحين تجلس مع هؤلاء «الزعماء» تراهم يقولون كلاما طريفا، خلاصته: «المصريون أكثر من ثمانين مليونا، ومن نزل منهم إلى ميادين التحرير فى المحافظات حوالى خمسة عشر مليونا فقط، والبقية معنا»، وكأن هذا الرقم «15.000.000» رقم صغير، يتكرر كل يوم فى التظاهرات فى كل بلاد الدنيا! من الصعب أن تأخذ هذا النوع من الكلام مأخذ الجد، ولكن ماذا نفعل وهم مترشحون للبرلمان، ويكتبون فى بعض الصحف، ويظهرون أحيانا على شاشات التلفزة؟، لا بد حينها من رد يوضح بعض الحقائق، وهى حقائق واضحة لكل ذى عينين.  

إن نزول 15 مليونا إلى الشوارع «أو عُشـْـر هذا الرقم» معناه أن نسبة كبيرة جدا من الشعب المصرى قد نزل إلى الشارع، لأنك حين تخصم الأطفال والعجائز والعجزة والمرضى، ستجد أن البقية المؤثرة رقم أقل بكثير من الثمانين مليونا.  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة « لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن»، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»، وفى روايات أخرى: «وإذنها صمتها»، أو «سكوتها». 

وهذا فى زواج البكر، أما فى ثورات الشعوب فإن السكوت ليس بالضرورة علامة الرضا، ومن يريد أن يوكل نفسه بالنيابة عن الساكتين، فهو إما أنه يعانى من قلة الذكاء، وإما أنه يمارس «الاستعباط».  


إن السكوت قد يكون سكوت خوف، أو سكوت غضب، أو سكوت اعتراض، أو سكوت موافقة، أو سكوت تدبر، هناك ألف تفسير للسكوت، وإجبار الساكتين على توكيل أشخاص بأعينهم دليل على عجز هؤلاء الأشخاص عن إنطاق الساكتين بما يؤيد دعواهم.  


لا توجد أغلبية صامتة فى مصر، لأن الثورة أنطقت الجميع، والزعم بأن الصامتين مع فئة معينة من الناس هو «مسح تختة» لتلميذ بليد، وهو حجة من لا حجة له.  

إن السياسى الحقيقى الجدير بالثقة هو الذى يستطيع أن يحرك الناس، وهو الذى يستطيع أن يستغل قدرة الناس على الفعل، أما السياسى الفاشل فهو الذى يستغل صمت الناس، ويحاول أن يوظف صمتهم فى صالحه بدون دليل، ليمنح لنفسه شرعية زائفة تعتمد على فعل سلبى «هو الصمت».  

إن هذه الخطة الفاشلة فى حد ذاتها تدل على أن مستخدمها غالبا من فلول النظام، وليس غريبا عليهم أن يكونوا فشلة، وسنرى الآن كيف ينجحون بدون تقفيل الصناديق تحت عين أمن الدولة وجيوش البلطجية. فى جميع الأحوال، الصناديق بيننا، وإن غدا لناظره قريب…!

رابط المقال على موقع اليوم السابع

المقال السابق

موقف لا بد أن يُحكى

المقال التالي

عبدالرحمن يوسف ضيف قناة الحرة الأربعاء 30 نوفمبر 2011 م

منشورات ذات صلة
Total
0
Share