الثالث من يوليو … يوم أسود

المقال منشور بموقع مصر العربية بتاريخ 2-7-2014 م

في مثل هذا اليوم رحل المفكر العظيم أستاذنا الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله.

جاءنا النبأ في  الصباح الباكر، في الثالث من يوليو 2008، وتوجهت رموز مصر كلها إلى مستشفى فلسطين، في قاعة الاستقبال في المستشفى جلس رجال ونساء يواسي بعضهم بعضا.

شباب وشيوخ الحركة الوطنية واجمون كأن على رؤوسهم الطير، لا كلمات تجدي، لا مواساة تنفع، البكاء كأس يدور على جميع الحاضرين، يذوقه الواحد تلو الآخر، يشرب منه البعض رشفة بعد رشفة، أو يتجرعه دفعة واحدة.

الباكون على المسيري في ذلك اليوم كأنهم جسد واحد، بنيان مرصوص، توحدوا بمطالب الحرية، وتوحدوا بحزنهم على الراحل النبيل !

يا إلهي … كيف أصبح الباكون على المسيري اليوم؟ بعضهم يؤيد انقلابا عسكريا دمويا غاشما، يقتل الشباب، يغتصب الرجال والنساء، يصدر أحكام الأعدام وكأنها مخالفات مرور، يسجن الصحفيين، يمنع أصحاب الأقلام من الكتابة، يذبح حرية التعبير بشفرة ثلمت من كثرة الذبح.

كيف لمن وقف بجوار المسيري وهو يقود حركة كفاية أن يؤيد الدولة التي ألقته على قارعة الطريق وهو الشيخ المصاب بالسرطان؟

كيف لمن هتف \”لا للتمديد … لا للتوريث\” أن يقبل بكل أفكار وأفعال نظام التمديد والتوريث؟

كيف لمن أسس حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات أن يؤيد من يقتل الطلبة في المعامل وقاعات الدرس؟

كيف لمن طالب باستقلال الجامعات أن يصفق للديكتاتور الذي قرر تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات؟

كيف لمن عمل في الجمعية الوطنية للتغيير أن يقف ضد التغيير بتأييد عودة الدولة البوليسية القمعية القديمة؟

كيف لمن قضى سنوات عمره متظاهرا في الشوارع أن يداهن نظاما يحرم التظاهر والاعتراض على الناس؟

لو امتد العمر بالدكتور عبدالوهاب المسيري لوقف ضد هذا الانقلاب قولا واحدا !

كل من قرأ كتب المسيري وتتلمذ على يديه يعرف ذلك يقيناً، وقد شاء الله أن يرحل مبكرا لكي يظل اسمه فوق كل هذا الخلاف التافه، هذا الخلاف الذي سيحسمه الوقت، فمع كل يوم يمر يتضح لكل منصف أننا أمام أقذر نظام مر في تاريخ مصر.

إنه النظام الذي يجمع بين قمع الستينات، وانبطاح السبعينات، وخيانات الألفية الجديدة !

نظام انقلاب الثالث من يوليو 2013 يُحَوِّلُ الدولة المصرية إلى منفضة سجائر للدول العظمى !

رحم الله المسيري، لقد كان رحيله يوما حزينا، وتحول إلى يوم أسود في تاريخ هذا البلد، وسيظل هذا اليوم من أسوأ الأيام التي مرت على سائر محبي هذا الرجل العظيم.

طوبى لمن صان عهد المسيري، وصبر على ابتلاءات الدرب، ولا سامح الله من لا زال يكابر، ولم يراجع نفسه بعد كل هذه الدماء التي سفكت، والأعراض التي انتهكت، والأموال التي سلبت.

يا تلاميذ ورفقاء المسيري المؤيدين للانقلاب … أقول لكم : أنتم تؤيدون الأجهزة نفسها التي تآمرت على هذا الرجل، وتؤيدون الأشخاص أنفسهم الذين أعطوا كل حقير ألف منحة علاج على نفقة الدولة … ولكنهم بخلوا بها على المسيري لأنه لم يكن في قافلة المطبلين العبيد.

يا كل من يؤيد الانقلاب العسكري من تلاميذ المسيري ورفاقه، أقول لكم قولة حق : لا بارك الله في وقت قضيتموه مع هذا الرجل العظيم دون أن تتعلموا منه بعض الإنصاف، ودون أن تفهموا معنى مراجعة النفس …!

كلمة أخيرة : سيظل الحدث الأكبر في تاريخ مصر في هذا اليوم هو خسارة مصر لابنها البار عبدالوهاب المسيري، وكل الأحداث الطارئة التي حدثت بعد ذلك ستصبح حدثا تافها في سجل التاريخ، مهما فعلت أجهزة القمع.

النصر قادم، والثورة مستمرة، وكل ما ترونه الآن سينتهي قريبا … قريبا جدا … بإذن الله تعالى .

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

للتعليق على المقال على موقع مصر العربية 

المقال السابق

في ذكري 30 يونيو ... وفي ذكرى أول رمضان

المقال التالي

قصيدة ( مُثَقَّفٌ كَبيرْ ...! )

منشورات ذات صلة
Total
0
Share