الاصطفاف خلف مشروع لا شعارات

المقال منشور بجريدة عربي 21 بتاريخ 20-02-2016

يطالب كثير من الثوار اليوم بالاصطفاف، ويهاجم البعض فكرة الاصطفاف (وهذا في رأيي أمر عجيب)، ويبدو أن مفهوم الاصطفاف أصبح غامضا، خاصة بعد أن اكتشفنا أننا قد اصطففنا في يناير 2011 على مجموعة شعارات غير واضحة المعنى، ومنهجنا في تطبيقها كان ضبابيا، ويبدو أننا اليوم لن ننجح في هزيمة الثورة المضادة إلا إذا اتفقنا على أن معنى الاصطفاف، هو صياغة مشروع وطني جامع يضم الغالبية العظمى من المصريين.

المشروع الوطني يقتضي من جميع التيارات والشخصيات الوطنية أن تفكر في صياغة ورقة لها خمسة محاور، وإذا اتفقنا على الخطوط الرئيسية في هذه المحاور ستكون الظروف مهيأة لبدء مرحلة تحول ديمقراطي سليمة.

محاور المشروع الوطني :

المحور الأول : شكل الدولة المصرية الجديدة

غالبية الأفكار في هذا المحور متفق عليها بين غالبية التيارات، فإذا استثنيت المتطرفين في كل الاتجاهات ستجد أن الجميع يؤيد إقامة دولة مدنية، ديمقراطية، يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية، في ظل عدالة اجتماعية، وحريات منفتحة، تحت راية استقلال وطني شامخة، تحرسها التعددية، والشفافية، تمكِّن الشباب، وتساوي بين الناس، في ظل عقد اجتماعي يحفظ حقوق الناس، بلا تفرقة بين مواطن ومواطن.

ازدادت قناعات الغالبية بهذه الأفكار بعد انقلاب الثالث من يوليو، وبعد أن راجعت كل التيارات والجماعات قناعاتها، على عكس ما قد يظن الكثيرون.

المحور الثاني : برنامج العدالة الانتقالية

يكاد يجمع كل من له علاقة بثورة يناير على أن تحقيق القصاص هو مدخل العدالة الانتقالية التي توصل المجتمع إلى الاستقرار، وكل من وصل إلى السلطة لا بد أن يتحمل المسؤولية السياسية لما حدث في عهده، وكلنا نعلم المذنب من البريء.

ومن المؤسف أن يتاجر بعض من يحسبون على الثورة بالقصاص، فتراهم يشككون بلا دليل أو قرينة في كثير من المبادرات والاقتراحات بحجة أنها سوف تفرط فيه!

برنامج العدالة الانتقالية كتبت فيه عدة أوراق من عدة اتجاهات فكرية، وغالبية ما فيها متفق عليه، سواء في مسألة القصاص، أو في مسألة استعادة أموال المصريين التي هربت للخارج، أو في مسألة استعادة سيادة مؤسسات الدولة، ومحاسبة من ارتكبوا جرائم الخيانة العظمى ببيع الوطن وممتلكات الأمة لأعدائها، وغيرها من المواضيع.

المحور الثالث : شكل الفترة الانتقالية بعد إسقاط الانقلاب

وهذه النقطة فيها اتفاق واختلاف، أما الاتفاق فهو على أن إدارة المرحلة الانتقالية لا بد أن تكون بالتوافق، لا بالمغالبة ولا بالاستحواذ، وأن ذلك الأمر سيستغرق عدة سنوات، حتى يصل المجتمع إلى مرحلة التنافس الديمقراطي الكامل.

وأما نقطة الخلاف فهي في مسألة التعامل مع عودة الرئيس المنقلب عليه الدكتور محمد مرسي إلى منصبه، وفيها اقتراحات كثيرة يمكن إذا خلصت النوايا أن يتم الاتفاق على أحدها.
وسيظل الأمر الواقع يقول إن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، ولكن استحضار المشكلات وتصديرها دائما هو منهج الفشل، والبحث عن المتفق عليه هو المخرج الوحيد لما نحن فيه.

المحور الرابع : العلاقات المدنية العسكرية

الهدف من هذا الملف هو انسحاب الجيش من الحياة السياسية، وإخراج مملكته الاقتصادية التي ابتلعها داخل كرشه بالتدريج، بما لا يؤثر على معاش الناس، ولا على مؤسسات الدولة.
وهناك عشرات التجارب في عصرنا الحديث لدول حكمتها الجيوش، وهي اليوم تعيش حياة ديمقراطية كاملة.

هذا الملف ضمن الملفات التي لا خلاف عليها بين جميع التيارات والجماعات السياسية في مصر (اللهم إلا التيار الدولجي الانقلابي .. وهو تيار لا وزن ولا جذور له في حياة مصر ما بعد الانقلاب).

المحور الخامس : ملفات إعادة هيكلة أجهزة الأمن والأجهزة السيادية 

هذا الملف فيه العديد من الدراسات القيمة، وفيه أيضا عشرات التجارب لدول أخرى مرَّت بما يشبه تاريخنا الأسود منذ انقلاب 1952، وخلاصة الهدف من هذه التجارب والدراسات هو تحويل أجهزة الأمن وتلك الأجهزة المسماة بالسيادية من عصابات ومليشيات مسلحة – كما هي اليوم – إلى مؤسسات تلتزم بالقانون، وتحاسب بالقانون إذا انحرفت.

لقد قرأت العديد من الدراسات والأوراق من جماعات سياسية، وشخصيات أكاديمية ذات اتجاهات مختلفة، قبل انقلاب 2013 وبعده، ولم أجد فيها فروقا كبيرة في غالبية المحاور التي ذكرتها.
والاتفاق على خطوط رئيسية في هذه المحاور يمكن أن يجمع غالبية المصريين خلف مشروع وطني، عقد اجتماعي جديد، دواء لمرحلة انتقالية بعد إسقاط الانقلاب، وعلى سائر المهتمين بشأن الوطن أن يعملوا من أجل صياغة هذا العقد الجديد.

للأسف الشديد … هناك من يحاول أن يصور أزمتنا وكأنها أزمة أشخاص، وكأن عودة مجموعة من الأشخاص إلى مناصبهم سيحل مشكلة مصر، أو خلع مجموعة جنرالات من رتبهم سيحول الجحيم إلى فردوس!

والحقيقة المُرَّةُ أن المشكلة أعمق، وأن السوس قد وصل إلى قلب القلب!

هؤلاء الذين يرون الأزمة بهذا الشكل السطحي، لا همَّ لهم في الحياة سوى الهجوم على من يحاول صياغة المشروع الوطني الجامع.

هل سينتصر أصحاب الصوت العالي والأولويات المعكوسة؟

كلي يقين بأن النصر سيكون لأصحاب النفس الطويل، الذين يعملون من أجل جمع الناس لا تفريقهم.

كلي يقين بأن شباب ثورة يناير قادر على صياغة مشروع يجمع الناس … مشروع لا مجموعة شعارات نرددها في التظاهرات دون أن نعرف لها معنى حقيقيا دقيقا قابلا للتطبيق.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

رابط المقال على موقع عربي 21 

المقال السابق

رهان مع رئيس الوزراء الإيطالي

المقال التالي

إعلان فبراير... شباب الثورة ضد الاستبداد

منشورات ذات صلة
Total
0
Share