استعدوا لما هو آت

منعت البنوك المصرية تحويل أي عملة لعملة أخرى (فكان ذلك سببا إضافيا لانطلاق السوق السوداء بشكل كامل)، وبالتالي يقف الدولار على أعتاب 17 جنيها، وقفز اليورو إلى أكثر من 20 جنيها، والريال السعودي أكثر من 5 جنيهات. 

في الوقت نفسه ممنوع السحب بالبطاقات الائتمانية (الكريديت كارد) من خارج البلاد، كما أن التحويل من الحساب الشخصي (أي من حر مالك) للخارج ممنوع، وهناك حد أقصى ضئيل مسموح بالخروج به من مصر لا يكفي أي مصاريف سياحية تذكر.
 
برغم كل ذلك يقف “سيسي” في مؤتمر شباب العسكر متفاخرا بإنجازاته، متشدقا بالأخطار التي حمانا منها، يرفع عقيرته – بلا خجل – مدعيا أنه مبعوث العناية الإلهية لهذا البلد !

يقف في يوم زينته وسط طباليه وحرسه، يتظاهر بالتواضع فيفضحه عجبه، يدعي الحكمة فيتجلى حُمقه، يستعرض معارفه فينكشف جهله … كل ذلك وحوله من حملة الأقلام أرذلهم، ومن لابسي العمائم أقذرهم.
يحاول أن يظهر بمظهر الحاكم الديمقراطي، فيعطي فرصة للسيد إبراهيم عيسى لينتقد، وكلنا يعلم أن الرجل ليس أكثر من مهرج، احترق رصيده عند الجميع، ولولا أجهزة الأمن التي تستخدمه وتحميه لضرب بالشباشب والقباقيب كشجرة الدر.

يحاول أن يتقمص شخصية البسيط الصابر … فتتصدر ثلاجته عناوين الصحف في العالم.

ينافقه شخص مثل فاروق الباز … فيدعي أنه يشبه “جون كينيدي” في الوقت الذي يسميه العامة “بلحة” و”البومة” وألقاب أخرى لا يليق أن تُكتب في مقالة.

لقد اختار هذا المأفون طريقه … سيمضي إلى حتفه القريب برجليه، ولا مجال للتراجع، ولن يوقفه أحد، حتى لو خسر حلفاءه بالأمس، ومموليه الذين زينوا له الانقلاب، وملأوا أرصدته بالمليارات.

أما شوارع المحروسة … فقد أصبحت الطوابير تنتقل من سلعة إلى سلعة، فلم يعد الطابور من أجل الخبز فقط، بل انتقل إلى الأرز، وبعدها إلى السكر، كل ذلك بعد أن وقف المصريون في طوابير المحروقات، وطوابير السفارات … ويعلم الله ماذا ينتظر المصريين من طوابير الحياة.

وبرغم تهافت “سيسي” وفشله الذريع، وبرغم كره الناس له ورغبتهم في إسقاطه والثأر منه … ترى مقاومي الانقلاب العسكري في غمرة ساهون. 

بعضهم يملك المال والرجال، ولكن لا هم له سوى إفشال أي محاولة لتوحيد المصريين، فهو مركز الكون، وأي مبادرة أو كيان لا يخرج من عباءته ولا يأتمر بأمره ولا يتماهى معه بشكل كامل لا بد أن يفشل.
فيشترون بعض الضباع التي لا تفعل في حياتها شيئا إلا مهاجمة أي صاحب فكر يختلف معهم، أو مكايدة الأقلام التي تحاول التفكير، أو من ينتقد من أجل تحرير هذا البلد المنكوب بمعارضته ونخبه وحكامه.

وآخرون ما زالوا في حالة تكبر ورفض، فيستكثرون على أنفسهم أن يعترفوا أنهم أخطأوا، وأن يقولوا إن مظالم اليوم لا مثيل لها في التاريخ، وأن مصر في حالة انقلاب عسكري كامل مكتمل، وأن حثالات الأرض هم من يتحكمون في مفاصل الدولة المصرية … يرون أنفسهم في حالة فوق النقد، ولكي يخرجوا من هذا المأزق يسبون القاتل والمقتول، ويساوون بين الضحية والجلاد.

ويُصَعِّبُ عليهم التراجع عن أفكارهم مجموعات لا هدف لها سوى إلقاء الحجارة على أي شخص يتراجع … أو يعلن فكرة مختلفة في أي موضوع من المواضيع (صغيرا كان أم كبيرا).
نحن أمام سلطة في غيها سادرة … ومعارضة في غمرة ساهرة … لذلك انتظروا ما هو آت !
التغيير قادم … ولكنه سيكون بأغلى الأثمان !

كل من يظن أن الحكم العسكري الحالي سيستمر مخطيء، وكل من يظن أن انهيار النظام سيأتي من بعده خير عميم واهم.

لن يستمر النظام الحالي، سينهار، ولكن ما بعد انهياره ستأتي أيام شداد، سيُمتحن فيها الناس، وبمثل هذه النخب التي لا تكاد تجمع أمرها على شيء … لا مجال لإنقاذ سريع.
سترى مصر أياما صعبة … أصعب مما نحن فيه؟ 
أصعب مما نحن فيه … فالمظلوم يعرف عنوان ظالمه، ولا كوابح تمنع أحدا من الأخذ بالثأر وشفاء الغليل، فالبلد اليوم بلا كبراء، لا احترام لشيخ، ولا توقير لرتبة، ولا تقدير لكاهن، ولا عرفان لصاحب فضل، ولا خجل من خطيئة، ولا حياء من رذيلة … لقد احترقت الرموز في محرقة السياسة، وديست القيم في معركة الاستقطاب، وأهينت المؤسسات في مكايدات ومغالبات لا أول لها ولا آخر … فكيف نمنع طالب ثأر من أخذ ثأره؟ وكيف نمنع سارقا أو جائعا من الاعتداء على أي أحد وأي شيء ليسد رمقه أو ليشبع شهوة جامحة غير مشروعة؟

سيخرج كل من لا يجد قوت يومه على الناس شاهرا سيفه، كيف لا وقد فقد المجتمع قيمه وحراسه، فقد أخلاقه والقائمين عليها وعليه !

إذا كان الأمر كذلك … هل نترك النظام الحالي خوفا مما هو قادم؟ هل يصبح إسقاط النظام عملا غير حكيم يأتي علينا بالخراب؟

الحقيقة أن أسوأ ما يمكن أن يحدث لمصر والمصريين هو أن يستمر هذا النظام العميل في سدة الحكم، وكلما استمر هذا النظام سندفع ثمنا أكبر، وكلما أسقطناه مبكرا سنعفي أنفسنا وأبناءنا من خراب أعظم.
لا حل في هذه المحنة سوى أن يخرج الناس على هذه العصابة التي تسيطر على مقدرات مصر، وترهن مقدرات البلد لأعداءها لعشرات السنين.

إن أكبر كارثة يمكن أن تحدث لمصر هي استمرار الوضع الحالي، وأفضل ما يمكن أن يحدث لمصر هو أن تطوى هذه الصفحة القذرة من تاريخنا.

والأمل الوحيد لتحقيق ذلك في هذه الظلماء … هو شباب مصر الطاهر الثائر، الذي عركته التجربة، وعلمته الثورة.

هذا الجيل الذي دفن آلاف الشهداء دون غسل أو كفن، وعرف كيف تستمر المعركة دون وهن. 
هذا الجيل الوطني الذي أكمل الطريق رغم اليأس والمؤامرات، سيعلمنا كيف تتشابك أيدي المختلفين لتضرب على يد الظالم.
الأمل في جيل يناير … حين يخرج سجناؤه، وتتقدم قياداته، وتتفتح أزهاره، وتتمدد أفكاره، وبذلك يتراجع عجائز وشيوخ مضى زمنهم منذ عشرات السنين، وانتهت قدراتهم منذ عهود.
يا معشر المختلفين المتناحرين، يا من تركتم هذا السفيه حاكما برغم ضعفه وتهافته، وتفرغتم لخلافات أحقر عند العقلاء من جناح بعوضة … استعدوا لما هو آت !

ملحوظة : مؤتمر “سيسي” لشباب العسكر نعمة من الله لنا، وهدية جديدة من هذا الأحمق يقدمها للثوار.
أتمنى أن لا نغفل حصر المدعوين والمتحدثين والمنظمين لهذا المؤتمر، لأننا سنجد كثيرا من هؤلاء الانتهازيين يحاولون التسلل لصفوفنا في لحظة فاصلة، وهذا هو معنى تنقية الصف.

تنقية الصفوف ليست إقصاء المقاومين، وليست تخوين الثوار لبعضهم … بل هي بطرد الآكلين على كل الموائد من دوائر الثقة، وبمنع تسللهم في اللحظات الحاسمة.


ملحوظة أخرى : وصلتني مئات الأسئلة (من داخل مصر وخارجها) عن يوم 11 نوفمبر، ولعلي أبدي رأيي في هذا الأمر في مقالة الأسبوع القادم بإذن الله.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

رابط المقال على موقع عربي 21 

المقال السابق

ديوان شعر في سجون العسكر

المقال التالي

مداخلة هاتفية للشاعر على قناة الحوار للتعليق على بيان الهيئة التحضيرية للجمعية المصرية 4 نوفمبر 2016

منشورات ذات صلة
Total
0
Share