ازدواج الجنسية ومدعو الوطنية (2)

أستكمل مع القارئ الكريم موضوع ازدواج الجنسية الذي بدأته في الأسبوع الماضي..

من المضحكات المبكيات أن مسألة ازدواج الجنسية في بلد مثل مصر تخضع لهوى الأجهزة الأمنية، فهي ليست مبدأ دستوريا يخضع له الجميع، فالجنسية الأخرى يحاسب عليها المصري إذا شاءت إرادة الخونة الذين يتحكمون في البلاد، أما إذا قرروا أن يخفوا هذا الأمر فلا بأس.. فالرئيس محمد نجيب لو طبقنا عليه الدستور لما جاز له أن يكون رئيسا، فأمه سودانية.

وكذلك الحال بالنسبة للرئيس السادات، فزوجته إنجليزية.

والحالة نفسها مع الرئيس المخلوع مبارك، فالسيدة سوزان مبارك إنجليزية الأم، وهو ما يعني حصولها على الجنسية الإنجليزية أيضا، وهو ما يستتبع عدم أهلية أبناء المخلوع للترشح.

هؤلاء العساكر الملاعين هم من يتحكمون في الأمر، فيظهرون أوراق جنسية أم المرشح الرئاسي حازم صلاح أبو إسماعيل، في الوقت الذي يخفون ملفات “أمهات” الرؤساء الذين ينتمون لعصابة العسكر وزوجاتهم.

وفي عصر مبارك تولى عشرات من مزدوجي الجنسية مناصب وزارية لا يجوز لهم قانونا أن يصلوا إليها، ولكن في بلد كمصر القانون بيد الحاكم، يتذكره وقتما شاء، مع من يشاء، وإذا لم تسعفه المواد القانونية.. تسعفه المواد المتفجرة.

كلي ثقة أنه لو أتيح للمصريين أن يعرفوا عدد المسؤولين من مزدوجي الجنسية في جميع عهود الخراب التي بدأت عام 1952م.. سيذهلون من عددهم.

*        *        *

إن هذه المواد التي تفرق بين المواطنين على أساس الجنسية ليست أكثر من ذريعة لإقصاء الكفاءات، ولتولية أخبث الناس وأقذرهم.

غالبية الذين يتولون المناصب العليا بعد ترقيهم في السلك الإداري للدولة هم ممن تمكنوا من التعايش مع فساد الجهاز الحكومي، بينما الذين خرجوا من البلاد بسبب هذا الفساد مشكوك في ولائهم، ويعتبرون غير مؤهلين، ويوصمون بأنهم “لا يعرفون ظروف البلد”، ولا يدركون “خصوصية مصر”.

كل هذا الكلام ستار من الإفك لكي يبقى الوضع على ما هو عليه، فتظل مصر بلدا بلا قانون، يحكمه مجموعة من العملاء، ولا يترقى فيه إلى المناصب العليا إلا الخونة الفاسدون.

لقد دأبت أجهزة الأمن على إشاعة التشكيك في مزدوجي الجنسية، حتى أصبح مزدوجو الجنسية أنفسهم يبررون للناس حصولهم على جنسية أخرى، وكأن في الأمر جريمة، وهو انسياق غير مبرر لقواعد لعبة ظالمة، وضعها مجموعة من العملاء.

ولكي تنهض مصر من كبوتها.. لا بد أن تتغير قواعد اللعبة تلك، خصوصا أن موقف الشعب المصري من مزدوجي الجنسية قد تغير، وهو ما ظهر واضحا جليا خلال أزمة اللاعب المصري “محمد الشوربجي”.

لا يوجد ما يدعو للاعتذار في مسألة ازدواج الجنسية، فليحصل المواطن المصري على خمسين جنسية إذا أراد، سيظل مصريا محتفظا بكل حقوقه السياسية والاقتصادية، وسيظل مركزه القانوني مستقرا، من أول شهادة الميلاد، وصولا إلى الترشح لرئاسة الجمهورية، مرورا ببطاقة التموين والحق في العلاج والتعليم (هذه رؤيتنا السياسية والقانونية التي سنطبقها قريبا بإذن الله).

*        *        *

ازدواج الجنسية بين المصريين أصبح أمرا واقعا لا يمكن إخفاؤه، ولا يمكن القبول باستمرار التعامل معه بهذه الطريقة الحقيرة.

مصر تحتاج إلى كل أبنائها، وخصوصا أصحاب الكفاءات والخبرات الدولية، ولا بد بعد إسقاط نظام الخيانة الحالي من تعديل جميع المواد الدستورية التافهة التي تجعل من ازدواج الجنسية مانعا من خدمة البلد، فالأمر بمنتهى البساطة يضر البلاد.. إنها أشبه ما يكون بشخص ابتعث أكثر أبنائه ذكاء للخارج، وأنفق على تعليمهم حتى حصلوا على أكبر الشهادات، وجمعوا أفضل الخبرات، وبعد ذلك منعهم من مساعدته في تطوير حياته، وظل في منزله يعاني الجهل والمرض، وأبناؤه بيدهم إنقاذه لو سمح لهم.

*        *        *

يستخدم نظام الحكم الجنسية الأخرى كدليل على الخيانة، وهو تصور ساذج، وخبيث.

فترى المواطنين من مزدوجي الجنسية يحصلون على إعفاء من الخدمة العسكرية بعد مقابلة شخصية (تحقيق بمعنى أدق) مع ضابط في المخابرات العسكرية، ويتولى هذا الضابط تقييم وطنية المتقدم، وفي النهاية يحصل على شهادة حقيرة من مؤسسة أمنية لا تعرف القانون، ولا تعرف الوطنية أصلا (المخابرات العسكرية أعني)، وبهذه الشهادة المسببة يُعفى من الخدمة العسكرية بسبب خطورته على الأمن القومي !

تلك المؤسسة التي كان وما زال غالبية عملها في أمرين.. الأول: تحجيم قدرات الجيش المصري، ومنع أي ضابط وطني من الاستمرار والترقي أو تولي أي مسؤولية حقيقية.

والثاني: مراقبة المعارضين وشرفاء المصريين وإفساد الحياة السياسية.

هؤلاء الخونة.. هم من يقيم وطنية مزدوجي الجنسية، هؤلاء الذين سلموا مصر لإسرائيل، وسلموا النيل لإثيوبيا، وسلموا تيران وصنافير لأعدائنا، وقتلوا آلاف المصريين بالرصاص الحي.. يحكمون على وطنية الشرفاء الذين لم يتمكنوا من التعايش مع الفساد، أو سافروا من أجل لقمة العيش، أو للدراسة.. أو لأي سبب كان !

*        *        *

يضطهد النظام المصري جميع الشرفاء منذ عشرات السنين، فاضطر ملايين منهم إلى الهجرة، وبعد هجرتهم منعهم النظام من العودة بأحكام ملفقة في قضايا مضحكة، ومنعهم من تجديد جوازات سفرهم ووثائقهم، بل بلغت درجة الصفاقة أن صادر أموالهم، فاضطر كثير منهم إلى الحصول على جنسيات أخرى، لكي يتمكنوا من العيش، ولكي يتمكن أبناؤهم من دخول المدارس.. لكي تستمر الحياة.

وبعد أن حصلوا على جنسيات أخرى، وبعد أن وصلوا إلى أعلى المراتب، وحققوا ما تيسر من النجاحات، يشكك هذا النظام العميل في ولاء كل هؤلاء، ويتهمهم بالخيانة، والحقيقة أن الخونة هم من تولوا حكم هذا البلد، وتسببوا في جعل الحياة فيه مرادفا للجهل والفقر والمرض والاستعباد.

في نهاية الأمر.. كل هؤلاء الذين يزايدون علينا في مسألة الجنسية مجموعة من القتلة الذين تمثل لهم جنسيتهم المصرية “محفظة ائتمانية” تضمن لهم ثروات بلا حدود، مع تجاوزات بلا حساب، وحصانة بلا عقاب.. أما الوطنية الحقيقية فهؤلاء أتفه من أن يفهموا معناها، وأقذر من أن يدركوا مغزاها.. وفي يوم قريب سيعود الوطنيون الحقيقيون، وسيكونون حيث يستحقون بإرادة الشعب، وسيأخذون بلادنا إلى مكانتها العالية التي ينبغي أن تكون فيها.. كل ذلك بعد أن يطهروا البلاد من آثار هؤلاء الخونة الذين يقيسون الوطنية بورقة !

للتعليق على المقال

المقال السابق

ازدواج الجنسية ومدعو الوطنية (1)

المقال التالي

فيديو تحت تهديد السلاح

منشورات ذات صلة
Total
0
Share