(( المقال منشور بجريدة \” صوت الأمة \” عدد السبت 31/10/2009 م ))
من أسباب تدهور الأمن في مصر أيضا ، الاهتمام بالأمن السياسي أكثر من الأمن الجنائي .
الأمن السياسي : أمن الدولة . و أمن الدولة جهاز (مخ) … ! أما (العضلات) … فهو الأمن المركزي … !
إذا قارنت حجم جهاز أمن الدولة بالأمن المركزي ستعرف كم هو صغير عقل هذه الدولة المستبدة …!
و لكن – في جميع الأحوال – دائما يكون المخ أقل كثيرا من العضلات …!
المشكلة أن هذا العقل الآن يتعرض للضمور بشكل مخزٍ ، ذلك أن الضباط المؤهلين للعمل في أمن الدولة أصبحوا قلة نادرة في وزارة الداخلية المصرية ، فأغلب من هم في أمن الدولة وصلوا لمواقعهم بالواسطة ، وهذا من أسوأ ما يواجه الدولة ذاتها …! لقد أصبح لديها جهاز \”أمن دولة\” غير كفء …!
من ضمن مهام جهاز أمن الدولة … التجسس على ضباط الشرطة أنفسهم …!
إن ولاء ضباط الشرطة للدولة أصبح في الحضيض ، ذلك أن معظم من يعمل في الشرطة الآن يعمل ذليلا ، لا حقوق له ، و يصبح مجبرا على مخالفة القانون أو معاداة الجميع ، فضابط المباحث الذي لا يعذب المتهمين أو (المسجلين خطر) الذين تحدثنا عنهم في مقال سابق ، هذا الضابط يكتسب عداوة كل زملائه في قسم الشرطة الذي يعمل فيه …!
إنهم يعملون وكأنهم عبيد عند سيد ، يتقاضون أجورا هزيلة تجعلهم دائمي الاحتياج للوزارة ، وقلة منهم من يتقاضى أجرا يكفل له حياة كريمة ، ولا يكون ذلك إلا بالواسطة ، وفي أماكن محددة في الوزارة كالجوازات و مباحث الكهرباء … ومن أسوأ الحقائق التي تربط الضابط بالوزارة أنه لا يستطيع الاستقالة إلا إذا سدَّد مبلغا محترما من المال ، و إلا فعليه الانتظار إلى ما يزيد على عشرة أعوام لكي يكون من حقه الاستقالة \”مجانا\” …!
أحد الضباط حاول العمل خارج مصر ، ولم يستطع أن يستوفي أول شرط ، وهو تقديم شهادة حصوله على بكالريوس العلوم الشرطية ، أي أن شهادة تخرجه من كلية الشرطة لم تكن في حوزته و ذلك بعد مرور ما يقرب من عقد ونصف على تخرجه ، وهذا أمر تتعمده وزارة الداخلية في مصر ، لكي لا يتمكن أي ضابط من العمل في الخارج إلا عن طريق الوزارة …!
ومن المدهش أن غالبية ضباط الشرطة يرغبون في الاستقالة من مراكزهم ، من شدة الفقر ، ومن شدة الظلم ، و من شدة الذل …! ومن يشكك في كلامي … فليسأل أي ضابط شرطة يعرفه …!
لا تقلق … ضباط الشرطة الآن يجاهرون بهذه الرغبة علنا ، لقد علمتهم المعارضة المصرية الجرأة …!
أنا من القلائل الذين يراهنون على أن الأيام القادمة ستشهد مشهدا خياليا ، أنا أراهن على أن جهاز الشرطة سيكون بؤرة من أهم بؤر التمرد ضد النظام الحاكم في القريب بإذن الله …!
قد يعتقد البعض أن هذا الكلام أحلام شاعر ، ولكن أنا أرى أن أكثر فئة تابعت تمرد الشعب المصري ضد الظلم … هم فئة الشرطة …!
و هذا يشحنهم شحنا معنويا كبيرا ، وكم أسرَّ لنا بعض الضباط بتعاطفهم مع مطالب المعارضة في الجلسات الخاصة …!
و هؤلاء في النهاية أبناء هذا الشعب ، ولهم نفس المطالب ، و المظاهرات التي يحاصرونها يتعاطفون معها ، وقد رأينا ذلك في عشرات المواقف …!
سيجيء يوم تأتي فيه الأوامر للجنود برفع الهراوات … ولن يرفعوها …!
سيجيء يوم يتواطأ فيه السجان مع السجين …! و أظن هذا اليوم قريبا …! حينها … لن يكون هناك معنى لأي \”إجراءات\” أمنية … لأن من يتخذ هذه الإجراءات … أصبح خارج نطاق السيطرة …!
نسأل الله السلامة
عبدالرحمن يوسف
23/9/2009