إجراءات أمنية (3 – 3 )

(( المقال منشور بجريدة \” صوت الأمة \” عدد السبت 31/10/2009 م )) 

من أسباب تدهور الأمن في مصر أيضا ، الاهتمام بالأمن السياسي أكثر من الأمن الجنائي . 


الأمن السياسي : أمن الدولة . و أمن الدولة جهاز (مخ) … ! أما (العضلات) … فهو الأمن المركزي … ! 

إذا قارنت حجم جهاز أمن الدولة بالأمن المركزي ستعرف كم هو صغير عقل هذه الدولة المستبدة …! 
و لكن – في جميع الأحوال – دائما يكون المخ أقل كثيرا من العضلات …! 


المشكلة أن هذا العقل الآن يتعرض للضمور بشكل مخزٍ ، ذلك أن الضباط المؤهلين للعمل في أمن الدولة أصبحوا قلة نادرة في وزارة الداخلية المصرية ، فأغلب من هم في أمن الدولة وصلوا لمواقعهم بالواسطة ، وهذا من أسوأ ما يواجه الدولة ذاتها …! لقد أصبح لديها جهاز \”أمن دولة\” غير كفء …! 


من ضمن مهام جهاز أمن الدولة … التجسس على ضباط الشرطة أنفسهم …! 


إن ولاء ضباط الشرطة للدولة أصبح في الحضيض ، ذلك أن معظم من يعمل في الشرطة الآن يعمل ذليلا ، لا حقوق له ، و يصبح مجبرا على مخالفة القانون أو معاداة الجميع ، فضابط المباحث الذي لا يعذب المتهمين أو (المسجلين خطر) الذين تحدثنا عنهم في مقال سابق ، هذا الضابط يكتسب عداوة كل زملائه في قسم الشرطة الذي يعمل فيه …! 


إنهم يعملون وكأنهم عبيد عند سيد ، يتقاضون أجورا هزيلة تجعلهم دائمي الاحتياج للوزارة ، وقلة منهم من يتقاضى أجرا يكفل له حياة كريمة ، ولا يكون ذلك إلا بالواسطة ، وفي أماكن محددة في الوزارة كالجوازات و مباحث الكهرباء … ومن أسوأ الحقائق التي تربط الضابط بالوزارة أنه لا يستطيع الاستقالة إلا إذا سدَّد مبلغا محترما من المال ، و إلا فعليه الانتظار إلى ما يزيد على عشرة أعوام لكي يكون من حقه الاستقالة \”مجانا\” …! 


أحد الضباط حاول العمل خارج مصر ، ولم يستطع أن يستوفي أول شرط ، وهو تقديم شهادة حصوله على بكالريوس العلوم الشرطية ، أي أن شهادة تخرجه من كلية الشرطة لم تكن في حوزته و ذلك بعد مرور ما يقرب من عقد ونصف على تخرجه ، وهذا أمر تتعمده وزارة الداخلية في مصر ، لكي لا يتمكن أي ضابط من العمل في الخارج إلا عن طريق الوزارة …! 


ومن المدهش أن غالبية ضباط الشرطة يرغبون في الاستقالة من مراكزهم ، من شدة الفقر ، ومن شدة الظلم ، و من شدة الذل …! ومن يشكك في كلامي … فليسأل أي ضابط شرطة يعرفه …!


لا تقلق … ضباط الشرطة الآن يجاهرون بهذه الرغبة علنا ، لقد علمتهم المعارضة المصرية الجرأة …! 


أنا من القلائل الذين يراهنون على أن الأيام القادمة ستشهد مشهدا خياليا ، أنا أراهن على أن جهاز الشرطة سيكون بؤرة من أهم بؤر التمرد ضد النظام الحاكم في القريب بإذن الله …! 


قد يعتقد البعض أن هذا الكلام أحلام شاعر ، ولكن أنا أرى أن أكثر فئة تابعت تمرد الشعب المصري ضد الظلم … هم فئة الشرطة …! 

و هذا يشحنهم شحنا معنويا كبيرا ، وكم أسرَّ لنا بعض الضباط بتعاطفهم مع مطالب المعارضة في الجلسات الخاصة …! 

و هؤلاء في النهاية أبناء هذا الشعب ، ولهم نفس المطالب ، و المظاهرات التي يحاصرونها يتعاطفون معها ، وقد رأينا ذلك في عشرات المواقف …! 

سيجيء يوم تأتي فيه الأوامر للجنود برفع الهراوات … ولن يرفعوها …! 

سيجيء يوم يتواطأ فيه السجان مع السجين …! و أظن هذا اليوم قريبا …! حينها … لن يكون هناك معنى لأي \”إجراءات\” أمنية … لأن من يتخذ هذه الإجراءات … أصبح خارج نطاق السيطرة …!  

 نسأل الله السلامة 

عبدالرحمن يوسف 
23/9/2009

المقال السابق
Video featured image

أمم هي الاشجار للشاعر عبدالرحمن يوسف

المقال التالي
Article featured image

مشاركة للشاعر عبد الرحمن يوسف بمؤتمر القلة المندسة برعاية شباب 6 أبريل الاثنين 2/11/2009 .

منشورات ذات صلة
Total
0
Share