أَغَواتٌ وخَوْذَاتٌ

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 25-10-2012 م 


ثم انتصف القرن العشرون، وبدأ زمن لابسى الخوذات، فقفزوا على الكراسى واحتلوها لأكثر من نصف قرن، فصار على كل الكراسى خوذات، فى سائر القطاعات، الزراعة والصناعة والإسكان، حتى ظن الناس أنهم فى معسكر كبير. 


يلبسون الخوذات وليس فيهم صلاح الدين، ولا قطز، ولا بيبرس! 

ليس فيهم من فروسية لابسى الخوذات، وإن كان فيهم من الشراسة وحب القيادة وغرور القوة الكثير. وتخلفت البلاد، واضطهد العباد، حتى كفرت الناس بالأوطان، وكرهوا الخوذات ولابسيها. 


لابسو الخوذات فيهم من أشرف الناس، ومن أعظم الناس تضحية، ولكن دائما كان المتصدر من الخوذات أسوأها! ثم جاء القرن الواحد والعشرون، وشجت فأس الشعب أكبر خوذة فى البلاد، وانطلق الناس مكبرين مهللين، وامتلأت الشوارع والميادين، لا يخيف الناس شىء، ورفع الناس شأن الخوذات التى تستحق، وسحقوا من الخوذات من لا يستحق، وعرف الناس أن أشهر الخوذات التى عبدت دون الله فى الأرض ما اشتهرت إلا بالباطل والتزوير، وأن خوذات البطولة مدفونة فى كتب التاريخ، فاستخرجوها وكرموها. 

حينها بقى بعض الأغوات ممن اعتادوا الأكل على الموائد كمراسلين لأصحاب الخوذات ينفثون سمومهم، بقى هؤلاء الأغوات يصرخون، يتظاهرون بأنهم من المعارضين وما هم بمعارضين، يكتبون ما يضرهم ولا ينفعهم، يكتبون ما يمليه عليه سادتهم، وسادتهم راح زمنهم وانقضى. 


ويقولون إن أصحاب الخوذات لغاضبون، والحقيقة أن أصحاب العقول فى نعيم، وأصحاب الأقلام قد يصلى بعضهم الجحيم. يقولون إن الويل والثبور وعظائم الأمور إذا غضب لابسو الخوذات، والحقيقة أن الويل كل الويل من غضب الشعب العظيم الذى ألبس الخوذات للابسيها، وألبس أكاليل المجد لمن هو أهل لها، وألبس الخزى والعار لكل من امتشق سلاحا أو قلما يناصر به أهل الباطل ضد أهل الحق. إن لابس الخوذة لا يغضب، ولو كان يغضب لغضب حين بيعت الأرض مع العرض، ولغضب حين ديست خوذة أعظم القادة فى التاريخ الحديث، حين ألقى فى السجن بتهمة «إفشاء الأسرار»! 

تعس عبد الخوذات، وتعس عبد الدرهم! ألم يأن للذين يكتبون أن تخضع أقلامهم للشعب وإرادته؟ ألم يتعظ المتعظون بمن حولت ملفاتهم إلى الكسب غير المشروع من الكتبة الموالسين المدلسين وما فعلوا سوى أنهم سطروا قصائد المدح فى بعض لابسى الخوذات، وقصائد الهجاء فى الشعب الأعزل؟ سمى الإنسان إنسانا لأنه ينسى، وها نحن نذكر، ولكن الذكرى تنفع المؤمنين لا الأغوات! كل عام وأنتم بخير…

المقال السابق

رسالة إلى العبيط

المقال التالي

حوار مع عبدالرحمن يوسف بملحق جريدة الأهرام 2-11-2012 م

منشورات ذات صلة
Total
0
Share