أمهات المتظاهرين‏!‏

( المقال منشور بجريدة الأهرام السبت 2-7-2011 ) 


لم يكن المتظاهرون في ميدان التحرير ليلة التاسع والعشرين من مايو بلطجية كما زعمت وكالات الأنباء والتليفزيونات والراديوهات الحكومية التي يمولها المصريون لكي تظهر الحقيقة‏,‏ ولكي تكون عينا للشعب وأذنا له‏,‏ ولكي تكون سلطة رابعة يستخدمها المجتمع بشكل سلمي, بدلا من أن يستخدمها كل من هو في السلطة من أجل تزوير أو تجميل الحقائق الواضحة علي أرض الواقع. 


من أين بدأت الأزمة ؟ حسب كلام مصدر رسمي هاتفته بنفسي في مكتب السيد وزير الداخلية بدأت المشكلة في مسرح البالون بالعجوزة, حيث أقامت إحدي الجمعيات احتفالا لتكريم أسر شهداء ضباط الشرطة! لا أدري من صاحب المبادرة النبيلة بتكريم أناس يراهم المجتمع المصري قتلة, كانوا يحمون نظاما قمعيا استبداديا, وكانوا مسخرين لخدمة الديكتاتورالفرد لعشرات السنين, ولست أدري ما الهدف من تكريم أسر شهداء الشرطة في الوقت الذي لم يكتمل حتي الآن إحصاء شهداء الشعب, دعك من تكريمهم. 


كنت في الميدان بنفسي بعد منتصف الليل بقليل, وسمعت عشرات الشهادات الحية من أناس شاهدوا القصة من أولها, وتحدث الشهود عن اعتقالات تمت من أمام مسرح البالون, ومن ميدان التحرير, وعن اعتداءات علي المتظاهرين بالرصاص( الخرطوش) وبالقنابل المسيلة للدموع. 


كان من ضمن الاعتداءات التي استفزتني, وشاهدتها بنفسي, ذلك الضابط المغوار, وهو يتوعدنا من خلال ميكروفون المدرعة بأن يفعل في أمهاتنا ما لا يصلح للنشر. 


كان صوته شبيها بصوت الوزير حبيب العادلي! لأمهات المتظاهرين ضلع فيما يجري, وقد يكون متعودا علي ذكر الأمهات كورد يومي يرطب لسانه في أثناء العمل, وقد يكون الرجل مصابا بفقدان الذاكرة, فنسي أن أمهات هؤلاء المتظاهرين قد أحسن تربية أبنائهن فلم يقبلوا أن يعيشوا في الذل, وانتفضوا أحرارا برغم آلة القمع الباطشة لنظام لا يرحم. 


هناك سؤال آخر, وهو: هل بدأت الأحداث فعلا من أمام مسرح البالون أم أنها بدأت من المحكمة؟, حين أعلن القضاء المصري العظيم عن ضرورة حل المجالس المحلية في مصر كلها! سمعت أحد لواءات الشرطة في إحدي محطات الراديو( الحكومية) وهو يقول إن هناك من يعبث بأمن البلاد, وإنه من الواضح أن هناك ترتيبا متعمدا لما يحدث. 

هذا صحيح, ولكن السؤال الحقيقي, أين هي هذه الأيادي التي تعبث بأمن البلاد ؟ في رأيي الشخصي إن جزءا من هذه الأيادي( أو علي الأقل عدة أصابع من كل يد!) موجود في لاظوغلي. 


الجميع يعلم أن السيد منصور العيسوي رجل محترم, ولكننا تجاوزنا الحديث عن احترام الوزير, نحن لا نشكك في احترامه, ولكننا بمنتهي الاحترام نتساءل عن كفاءته, وعن قدرته علي ضبط هذا الوحش الذي سمنته الأنظمة المستبدة علي مدار عشرات السنين. 


هل يمكن أن تستمر وزارة الداخلية بنفس قياداتها؟ أنا أعلم أن هناك وجهة نظر يتبناها الوزير تقتضي بالتدرج في التخلص من القيادات الفاسدة, وبنزع الصلاحيات رويدا رويدا, ولكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا: من يصطاد من ؟ هل أصبح الوزير طريدة وهو يظن أنه صياد؟ هل سينجح الوزير في إصلاح الوزارة والسيطرة علي القيادات الفاسدة قبل أن يحرقوا مصر ؟ وقبل أن تشتعل ثورة جديدة بسبب( الأيادي) التي تعبث بأمن الوطن ؟ أظن أننا أصبحنا في مواجهة الحقيقة, ولا بد من إجراءات سريعة وصارمة وحاسمة` تضمن حفظ مكتسبات الثورة. 

أولا: يجب إقالة جميع القيادات في وزارة الداخلية بدءا من رتبة عميد. 


ثانيا: يجب تسريع إجراءات محاكمة قتلة المتظاهرين, بدلا من التواطؤ معهم من أجل إرهاب الشهود أو التصالح مع بعض ضعاف النفوس, وبدلا من أن تدفع وزارة الداخلية أتعاب المحامين الذين يدافعون عن المتهمين بالقتل. 


ثالثا: أن تكرم وزارة الداخلية أسر الشهداء( شهداء الشعب), وأن تكرم المصابين وأسرهم, وأن تعتذر عما حدث في ميدان التحرير ليلة التاسع والعشرين من مايو. 


رابعا: البدء في وضع خطة طويلة الأجل لإصلاح جهاز الشرطة, علي أن تعرض هذه الخطة علي الجمعيات الكبري المتخصصة في حقوق الإنسان. 


خامسا: إقالة السيد المحترم الوزير منصور عيسوي, وليس ذلك تشكيكا في احترامه بل هو اختلاف علي مدي كفاءته وقدرته علي تطهير هذه الوزارة في هذا الوقت الحساس, وتعيين وزير داخلية مدني. 


قد يظن البعض أنني متحامل علي الوزارة, وقد يظن البعض أنني أكتب بدافع حقد علي هذا الجهاز, وأنا بدوري أقول إنني أكتب بعقلي فقط, ولو كنت أحمل أي حقد علي أي مؤسسة, لرددت علي الضابط المحترم الذي سبنا بأمهاتنا… بأمه!

المقال السابق

عبدالرحمن يوسف بحفل الإسراء والمعراج في الإسكندرية الخميس 30 يونيو

المقال التالي
Video featured image

عبدالرحمن يوسف على نجوم إف إم

منشورات ذات صلة
Total
0
Share