أسئلة وأجوبة عن طالبان

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 23 أغسطس 2021 م

إذن.. هربت جيوش التحالف من أفغانستان، ودخلت قوات طالبان العاصمة “كابول” منتصرة بعد عقدين من المقاومة المسلحة..

في البداية لا بد أن يعرف القارئ الكريم أن قصة أفغانستان طويلة، وأنه من الصعب أن نحكي القصة الكاملة لبلد يعيش في حروب مستمرة منذ أكثر من أربعين عاما، وكانت بداية المأساة مجموعة من الشيوعيين استولوا على الحكم في أواخر السبعينيات من القرن الماضي (بانقلاب عسكري طبعا)، وأحبوا أن يفرضوا أفكارهم الشيوعية بالغة التطرف على شعب مسلم محافظ.. فكانت النتيجة الطبيعية أن الشعب رفض، وبدأ بمقاومة هذا النظام المدعوم من الاتحاد السوفييتي، فما كان من هؤلاء الذين وصلوا للسلطة بانقلاب عسكري إلا أن طلبوا تدخل الجيش السوفييتي، واستدعوا قوات الاحتلال إلى بلادهم، لكي يفرضوا “الحداثة، والتقدم، المعاصرة.. الخ” على ذلك الشعب “الجاهل” !

حينها بدأ الشعب الأفغاني بمقاومة الاحتلال السوفييتي، ودخلت البلد في سلسلة من الحروب، مقاومة للاحتلال، ثم حروب أهلية تتقاتل فيها الفصائل المسلحة التي طردت الاحتلال، وأصبحت البلاد مستباحة من كل أجهزة الاستخبارات، ساعد على ذلك طبيعة وعرة، وتركيبة عرقية وقبلية، تجعل من المستحيل على أي سلطة مركزية أن تسيطر على البلاد دون رضى أهلها.

هذه مقدمة لا بد منها.. ونبدأ الآن أسئلة عن طالبان.. ونحاول الإجابة عنها.

*        *        *

السؤال الأول: هل “طالبان” حركة تحرر وطني؟

الإجابة: هي حركة تحرر وطني بلا شك.. قاومت احتلال جيوش العالم كله تقريبا، وعلى رأسها الجيش الأمريكي عشرين عاما متصلة، في الوقت الذي استسلمت فيه كل الحركات المقاومة التي قاومت الاحتلال السوفييتي من قبل.. وهي حركة لم تقم بأي عمليات خارج حدود أراضيها، ولا توجد دولة واحدة تتهم حركة طالبان بأي عمل إرهابي على أراضيها، وكل الأعمال الإرهابية التي تتهم بها هذه الحركة هي أعمال مقاومة ضد جيوش محتلة داخل الأراضي الأفغانية..

إن أي مجموعة من البشر تقاوم جيشا أجنبيا دخل أرضها عنوة.. تسمى حركة تحرر وطني.. لا فرق بين من يرتدي البنطلون الجينز، وبين من يرتدي الجلباب، أو يرتدي الزي الأفغاني.. وهذه من المسلّمات التي لا يكاد يختلف عليها أحد (ولكنها الآن محل خلاف لأن المقاومين لهم أفكار لا تعجب البعض) !

*        *        *

السؤال الثاني: هل كانت مقاومة طالبان للاحتلال الأمريكي من أجل الوطن؟ أم من أجل السلطة والحكم؟

لا فارق بين الأمرين، هل يمكن أن نعتبر مقاومة ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية مقاومة (فالصو) لأنهم وصلوا إلى السلطة فيما بعد؟ حين كانوا يقاومون إسرائيل كان عملهم لا خلاف عليه، وحين وصلوا إلى السلطة، وتنكروا لتاريخهم، وأصبحوا عملاء للمحتل تغير تقييمهم، والأمر نفسه ينطبق على حركة طالبان أو غيرها.. لقد حملوا السلاح ضد محتل أجنبي، وقادوا الشعب الأفغاني ضد جيوش العالم مجتمعة، وقدموا مع الشعب عشرات الآلاف من الشهداء، وانتصروا في نهاية الأمر، وهذه حقائق ثابتة، لا مجال لإنكارها.

غالبية حركات التحرر الوطني حين تنتصر تتسلم مقاليد الحكم، إنها طبيعة الأشياء !

*        *        *

السؤال الثالث: هل تمّ تسليم البلاد لحركة طالبان بتواطؤ أمريكي؟

هذه كذبة من أكاذيب السي آي إيه، وهي كذبة مفضوحة، وأكثر من يرددها أبواق إعلامية عربية، ذلك أن جيوش التحالف الذي احتل أفغانستان عام 2001 كانت في ورطة، والتقارير المتعلقة بورطة هذه الجيوش منشورة منذ سنوات طوال، من خلال متابعتي الشخصية قرأت منذ عام 2013م عشرات التقارير التي تتحدث عن الخسائر المادية والبشرية لجيوش التحالف المزعوم، وكيف أن هذه الدول تبحث عن مخرج من هذا المستنقع.

في النهاية تفتق ذهن هذه الدول – كالعادة – عن إقامة نظام “عميل”، وتسليح جيشه، وتدريب كوادره، وأنفقوا في سبيل ذلك من يقرب من تريليون دولار أمريكي.. ولكن ما حدث أن هذا الجيش “العميل” هرب من المعركة، وألقت هذه الكوادر المزعومة سلاحها، وانسحبت بسرعة البرق.. لقد كان انسحابا يذكرك بانسحاب الجيش المصري المذل في عام 1967، أو بانسحاب الجيش الأمريكي نفسه من فيتنام، ومن الصومال..

لقد رحب الشعب الأفغاني بحركة طالبان، فدخل مقاتلو الحركة المدن والمحافظات دون أي مقاومة، وبلا أي معارك.. لقد سقط نظام عميل لا يريده أحد، ولم يدافع عنه أحد..

*        *        *

السؤال الرابع: هل كان سلاح حركة طالبان ضد المحتل؟ أم ضد الشعب الراغب في الحرية؟

من خلال سير الأحداث، ومن خلال المعلومات المتاحة، نستطيع أن نقول بثقة إن حركة طالبان لم توجه سلاحها للشعب، وكان سلاحها ضد المحتل، وأنها حركة تحرر وطني تتمتع بظهير شعبي جارف، هذا الظهير الشعبي مكّنها من دخول كل المدن الأفغانية دون أي مقاومة، ودون أي فوضى من تلك التي تحدث عادة عند انهيار الدول والأنظمة.

قد يتساءل البعض عن سبب مشهد هروب الآلاف من مطار كابول، وكيف يحدث هذا المشهد إذا كانت الحركة ذات ظهير شعبي؟

والحقيقة أن غالبية من يتساؤلون لو فتحت مطارات بلادهم لهرب الشعب كله، ولما بقي في البلاد إلا مجموعة من الضباط والقضاة ومليونيرات المال الحرام !

إن هروب عدة آلاف من المواطنين والأجانب لا يلغي أن المشهد الأهم هو دخول الحركة لجميع المدن الأفغانية دون مقاومة، وبلا أي فوضى، ودون انتقام أو تصفية حسابات مع أي طرف كان.

*        *        *

السؤال الخامس: هل سيقيم الأفغان دولة ديمقراطية مدنية طبقا للتصورات الغربية؟

التصريحات المعلنة من قيادات طالبان تقول بوضوح أنهم سيقيمون دولة إسلامية، ومن الواضح من التصريحات أن هناك رغبة في التوافق، ورغبة في إقامة شكل من أشكال الشورى طبقا لفهم الحركة الإسلامي..

والحقيقة إن مطالبة الحركة بإقامة دولة ذات مرجعية غربية غير إسلامية أمر مضحك، لقد قاتل الشعب الأفغاني لأكثر من أربعة عقود لكي يقيم هذه الدولة الإسلامية (بغض النظر عن رأينا في ذلك، ومدى ارتياحنا لذلك)..

بمعنى آخر.. ما هي رغبة الشعب الأفغاني؟

إذا كانت رغبة الشعب الأفغاني في دولة شيوعية يسارية.. فلماذا قاوم هذا الشعب العظيم الاتحاد السوفييتي؟ وإذا كانت رغبة الشعب الأفغاني إقامة دولة رأسمالية غربية.. فلماذا قاوم هذا الشعب الملهم جيوش التحالف عشرين سنة متواصلة؟

إن مطالبة طالبان بإقامة دولة (غير إسلامية) يعني أن نطالبهم بالتنكر لمبادئهم، ويعني كذلك – وهو الأهم – أننا نطالبهم بالتنكر للشعب الأفغاني الذي دعم تلك المقاومة.. أي أننا نطالبهم بالعمالة للمحتل.. نطالبهم بأن يكونوا نسخة من الأنظمة العربية التي تحافظ على مصالح الاحتلال، وترفع علما وطنيا زائفا.. أي أننا نطالبهم بحرب أهلية جديدة !

إن الدولة الإسلامية في أفغانستان مطلب شعبي، وليست أيديولوجيا يعتنقها أفراد تنظيم معين، ويرغبون في فرضه على الشعب، ولكن كثيرا من المحللين يفرضون حالتهم النفسية على أحداث لا علاقة لها بمشاكلهم في أوطانهم.

بمعنى آخر.. هناك بعض الناشطين السياسيين (من العرب خصوصا) الذين أرادوا تغيير أوطانهم، وتحويلها من الاستبداد إلى دولة مدنية (بالمفهوم الغربي المعاصر)، وهؤلاء لم يوفقوا في مسعاهم حتى الآن، ويطالبون حركة “طالبان” بتحقيق مرادهم في أفغانستان، متجاهلين أن الشعب الأفغاني لا يريد تلك الدولة التي يحلمون بإقامتها في إوطانهم، وأن أي استفتاء سيقام في أفغانستان في شأن شكل الدولة ومرجعية الحكم سيكون مع إقامة دولة إسلامية، وسيكون ذلك بأغلبية كاسحة.

*        *        *

السؤال السادس: أي نسخة من الإسلام سيطبقون؟

لا إجابة واضحة حتى الآن.. التصريحات الصادرة من قيادات الحركة توحي بأن هذه الحركة تعلمت الكثير، وأن النسخة القديمة التي رآها العالم منذ ربع قرن لم تعد موجودة.. وأن الفترة القادمة ستكون أكثر انفتاحا (مقارنة بما كانت عليه الحال في تجربة الحكم السابقة).

إن تحديات الحكم في بلد يحارب منذ قرن كامل، أكبر بكثير من زي النساء، وتصاريح إقامة الديسكوهات، وتراخيص افتتاح صالات رياضية مختلطة.. وأظننا يجب أن ننظر لهذا الأمر من منظور أوسع مما تفرضه علينا وسائل الإعلام الغربية، وأكاذيب السي آي إيه..

*        *        *

السؤال السابع: هل حقوق الإنسان (وخصوصا المرأة) في خطر في ظل هذا النظام؟

في البداية لا بد أن نتفق على أن الشعب الأفغاني شعب محافظ، الغالبية العظمى من هذا الشعب قبائل تعيش في القرى والجبال، وهي ذات مزاج محافظ جدا.

وبالتالي.. كل ما يقال عن إجبار الفتيات على الحجاب أو النقاب، أو على الزواج، أو على الزواج المبكر.. الخ.. كل هذه الظواهر لا علاقة لها بحكم طالبان، لقد كانت هذه الظواهر موجودة قبل حكم طالبان، وأثناء حكم طالبان، لأنها عرف شعبي (عرف مرفوض)..

هذه الظواهر موجودة في الأردن، وفي مصر، والسعودية.. موجودة حتى اليوم في القرى والنجوع في دول يفترض أنها “حداثية” جدا.. وهذه الدول لا تحكمها طالبان.. لذلك من الخطأ أن تربط هذه الظواهر بنظام بعينه.. أيا كان هذا النظام.

تصريحات قيادات الحركة تعطي مؤشرا على رغبتهم في حلحلة هذه المشاكل التي تسيء لسمعة البلاد، وهذا أمر جيد، ونتمنى أن نرى أفعالا كما سمعنا أقوالا.

*        *        *

السؤال الثامن: ما هو المتوقع من طالبان خارجيا وداخليا؟

من خلال تصريحات قيادات الحركة يظهر أن هناك رغبة في مصالحة داخلية شاملة، يتضح ذلك من خلال عدم استخدام العنف مع أي من الموالين للاحتلال، والعفو العام الذي صدر، والتعامل الحكيم مع الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، ومن خلال مبادرات التسامح مع الشيعة، ومع زعماء العشائر والقبائل، ومع كافة قوى المجتمع، بما فيها المجتمع المدني، وبما فيها كذلك الرموز السياسية المحسوبة على الأنظمة السابقة (الرئيس حامد كرزاي، والسيد عبدالله عبدالله، وغيرهم).

وعلى المستوى الخارجي تبدو تصريحات قيادات الحركة راغبة في خلق علاقات دبلوماسية مع العالم، ولكن في إطار احترام للسيادة الوطنية، واحترام رغبة الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني في العيش في ظل دولة ذات مرجعية إسلامية.

يبدو أننا أمام حركة سياسية أنضجتها التجارب، وترغب في حكم مستقر، يُمَكِّنُها من التعامل مع ثروات طبيعية تقدر بترليونات الدولارات، دون أن تدفع الجزية لأحد !

*        *        *

السؤال التاسع:

هل هناك علاقة لدولنا العربية بما يحدث؟

نعم.. كانت هناك أدوار عربية منذ عدة سنوات، ولكن المشهد النهائي يمكننا من قراءة الأحداث بشكل بسيط جدا، لقد كانت – وما زالت – هذه الأزمة تدار من الدوحة، وهي رحلة تفاوض طويلة، تمكنت قطر من خلالها من إثبات أنها دولة تستطيع أن تحقق إنجازات تؤدي إلى السلام، في محيط عربي لا يرغب إلا في تأجيج الصراعات والحروب.. وهذا ما انتهجته دولة الإمارات بإرسال قوات عسكرية مزعومة إلى أفغانستان، ضمن جيوش احتلال لأرض يدين أهلها بالإسلام..

وفي النهاية.. المشهد واضح.. الرئيس الهارب أشرف غني في الإمارات، وطالبان في الدوحة.. بإمكان أي مراقب أن يعرف من يراهن على الماضي، ومن يراهن على المستقبل، بإمكان أي منصف أن يرى من راهن على الحرب، ومن ساهم في تحقيق السلام.

*        *        *

السؤال العاشر: هل يعتبر أنموذج طالبان ملهما لنا نحن أبناء الثورات العربية؟

الإجابة: لا !

لا توجد أي علاقة بين النموذج الطالباني الذي حمل السلاح ضد محتل أجنبي يرفع أكثر من أربعين علما أجنبيا، وبين حركات التغيير في الوطن العربي التي تقاوم الاستبداد المحلي الذي يرفع العلم الوطني زورا وبهتانا.

المعركة في أفغانستان واضحة، دبابة يقودها أجنبي، وطائرات أجنبية تقصف، مع جنود مشاة يتحدثون لغات أخرى، ويدينون بديانات أخرى.. لذلك كان الظهير الشعبي خلف المقاومة ضخما، وهو ظهير لا غنى عنه في مثل هذه المعارك.

ومعركة طالبان ضد الاحتلال من الناحية الأخلاقية مباحة، بل واجبة، شرعا وقانونا..

أما في أوطاننا المنكوبة بالاحتلال المحلي فالأمر مختلف تماما، ولا تجدي مع هذه الأنظمة إلا المقاومة السلمية، وبعد إسقاط تلك الأنظمة على حركات التغيير أن تصل للحكم فعليا لا شكليا، وأن تقيم الدولة الوطنية الحرة باستخدام قوة الدولة نفسها.. ولا تناقض هنا بين سلمية الحراك الشعبي، وبين استخدام قوة الدولة بعد الوصول للحكم، من أجل حماية أركان الدولة الناشئة نفسها.

نسأل الله أن يكتب الخير لأفغانستان، ولأوطاننا، وأن يحفظ شعوبنا من شر الاحتلال الأجنبي.. والمحلي !

رابط المقال 

المقال السابق

شؤون مصرية حزينة

المقال التالي

وقفة أخرى مع الشأن الأفغاني

منشورات ذات صلة
Total
0
Share