أحلام التغيير

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ  10 أكتوبر 2021 

أقول وبالله التوفيق إن الناس أعداء ما جهلوا، وإنهم لينتظرون الكارثة تقع ثم يندبون حظوظهم، ويتجاهلون كل المؤشرات الواضحة على النازلة ثم يفاجأون بها وقد نزلت عليهم كالصاعقة.. ما أكبر قدرة الإنسان على تجاهل ما يراه لكي يتهرب من مواجهة التحديات.. ما أكثر أحداث التاريخ التي تثبت أن الإنسان دأبه الاستسلام لأسلوب حياته المريح رغم أن أمرا جللا على بعد شبر منه..

تتجمع السحب السوداء في الأفق، وتبرق السماء وترعد، والناس في غفلة لاهون، يرتفع منسوب نهر الحياة ولا أحد يبالي، وبعد ذلك يرى الناس السيل قادما.. حينها.. وفي تلك اللحظات الأخيرة ينتبه غالبية البشر.. ولكن بعد فوات الأوان.

قلة من الناس تحذر من هذا المصير، قلة لديها الضمير والبصيرة، وتملك الجرأة والتجرد، يصدحون بالحق.. يقولون بصوت عالٍ: “يا قوم.. الطوفان قادم.. فلنفعل شيئا قبل أن يجرفنا السيل”.. يقولون ذلك ويتحملون اتهامات وسبابا، يقولون ذلك ويعيشون في قفص اتهام كبير.. (أنت متشائم.. أنت حالم.. أنت أحمق.. أنت كافر زنديق).. وإلى آخر تلك الاتهامات المعلبة التي وجهت لكل زرقاء يمامة عبر التاريخ.. هذه القلة دائما تقول للناس الحقيقة من أجل مصلحتهم.. ولكن الناس كالعادة في غفلة لاهون !

والناس هنا أفراد وجماعات.. كيانات ودول.. لا فرق !

*        *        *

أقول ذلك لأن العالم مقدم على تغيير كبير شامل، لا أحد يعلم مداه.

التوقعات مختلفة، وتصل في بعض الأحيان إلى درجة التناقض، فبعض الذين يتوقعون التغيير يرون القرن القادم قرن الصين، والحقيقة أن ذلك ليس مضمونا أبدا، فالصين التي ينتظر البعض قيادتها للعالم تمر بأزمة مصيرية، فقد تسببت سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين لمدة أربعة عقود في خلل ديموغرافي سيتسبب في تعطيل قدراتها في غالبية المجالات.

أعداد العجائز في الصين أصبحت الأعلى في العالم، إنها أمة شاخت، كما أن شباب الصين اليوم لا يعتمد عليه كما كان أسلافه، ذلك أن سياسة الطفل الواحد حوّلت ذلك الطفل إلى كائن مدلل لا يعتمد عليه، كائن لا يعرف المنافسة بسبب عدم وجود إخوة وأخوات أو أبناء عمومة أو خؤولة، الطفل في الصين بسبب سياسة الطفل الواحد أصبح إمبراطورا صغيرا في محيطه، محيطه الذي يحوله لإنسان أناني، كل ما يطلبه مجاب.

أطفال لا يعرفون المنافسة، ولا يثقون في الآخرين، ولا يثق الآخرون فيهم.. لقد أصبح هؤلاء الأطفال أفرادا أقل قدرة على المخاطرة، وأقل ضميرا !

الصين اليوم أصبحت أمة ذات مستقبل (غير مضمون)، ومن يراهن على تفوق الصين لا بد أن يعرف أن فيها حوالي 264 مليون شخصا قد تجاوز الستين من عمره، بنسبة 17.4% من السكان، كما أن المتوقع أن تصل تلك النسبة إلى 37.8% في عام 2050.

*        *        *

المجتمعات الغربية تمر بالأزمة نفسها، وبدأت تشعر بالفزع نفسه، فالقارة العجوز تشيخ بسبب العزوف عن الزواج، ولكن تتعالى فيها دعوات العنصرية بسبب المهاجرين الذين يغيرون “قيم المجتمع” كما يعبر بعضهم، والحقيقة أن هؤلاء المهاجرون هم عماد الأعمال في تلك الدول.

دولة كبريطانيا تعاني اليوم من مشاكل لا حصر لها بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي، إذ أصبحت هنالك مهن لا يريدها أحد، تسببت في خسائر بالمليارات.

هذه المهن كان (المهاجر) يقوم بها عن طيب خاطر، واليوم بعد (البريكسيت) أصبح وجود هذا المهاجر في البلاد وجودا غير شرعي، وبالتالي لم تجد المحاصيل من يقطفها، ولم تجد الحافلات من يقودها !

هذه الغطرسة الغربية اليوم سيدفع المجتمع الغربي ثمنها غدا.. وهذا الغد قريب، بل إن المجتمع الغربي قد بدأ بدفع ثمن تلك الغطرسة بالفعل، وما هو قادم أسوأ.

*        *        *

لقد كدست الدول الغربية (التي تقود العالم اليوم) أسلحة بتريليونات الدولارات، وها هي اليوم تقف عاجزة أمام فيروس كورونا !

ماذا استفاد المواطن الأوربي أو الأمريكي من تكديس كل هذه الأسلحة؟ ماذا جنى المواطن الأوروبي من قصف المدنيين في أفغانستان؟ ومن دعم ديكتاتوريات الشرق الأوسط؟

لا إجابة !

لو أن ربع ما أنفق على تلك الأسلحة وعلى هؤلاء الطغاة أنفق على المنظومة الصحية في أوروبا لما حدث ما حدث، ولما هلك هؤلاء المواطنون..

ماذا يستفيد المواطن الفرنسي من المناظرات التاريخية لرئيسه التافه “ماكرون” في حقيقة كون الوجود التركي في الجزائر استعمارا من عدمه؟

المواطن الغربي اليوم بدأ باكتشاف أن برنامج تصنيع طائرات الدرونز التركي قد يصبح خلال عدة سنوات أكبر قيمة من كل المقاتلات التي تكلف ترليونات الدولارات.

إن فكرة السلاح نفسها تتغير، وأصبحت قدرة الدول على تسليح جيوشها غير مرتبطة بالقوى العظمى التي تحاول السيطرة على كل شيء.

شكل كوكب الأرض الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية لن يستمر طويلا، ومن لا يرى أن العالم كله مقدم على تغيير جذري شامل يعيد رسم الخرائط، ويعيد توزيع القوى.. فهو بلا شك غافل عن رؤية الطوفان.

*        *        *

بقي السؤال الأخير.. أين نحن العرب والمسلمون من هذا التغيير العالمي القادم لا محالة؟

إن قدرة العالمين العربي والإسلامي على قيادة أي تغيير، أو على مجرد التجاوب معه، ستكون مرهونة بقدرة الشعوب العربية والإسلامية على تغيير واقعها السياسي أولا.

ستبقى شعوبنا في ذيل الأمم، ومهما حدث من متغيرات فلن تتمكن دولنا من الحصول على ما تستحقه من الموارد (بما في ذلك مواردها)، ومن أساسيات العيش الكريم.. إلا بعد أن تقضي على حكامها الظلمة، وإلا بعد أن تنهي عقودا طويلة من الاستبداد السياسي، هي في حقيقتها امتداد للاستعمار العسكري الغربي.

إن التغيير السياسي في العالمين العربي والإسلامي ليس رفاهية، بل هو الوسيلة الوحيدة للشعوب لكي تنجو من الطوفان القادم الذي سيغير كوكب الأرض كله.

نسأل الله السلامة..

رابط المقال 

المقال السابق

الإنسان الدبابة

المقال التالي

تطبيقات على شر البليّة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share