أجمل ما فى المشهد

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 30-11-2012 م 


منذ أيام كتبت مقالة بعنوان «أسوأ ما فى الأمر»، وخلاصة ما فيها أن أسوأ ما فى المشهد السياسى الحالى هو أن الشباب الذين وقفوا سويا فى الميدان أمام المدرعات والرصاص قد بدأوا بتكوين ثأراتهم الخاصة، أو بدأوا بالتشبه بآبائهم وأجدادهم، فهم وقود معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وعجائز السياسيين يصفون حساباتهم المعلقة منذ الخمسينيات والستينيات، والجيل الجديد الذى صنع هذه الثورة مطحون فى المنتصف. 


جيل الثورة إنجازه هو ثمانية عشر يوما لم يشهد التاريخ مثلها، كانت لهم الكلمة العليا فى الميدان، وهم من جر الكبار إلى الميدان جرا، وحين سقط الطاغية قدموا للعالم مشهدا فريدا فى التفانى والإخلاص، فنظفوا الميدان، وانصرفوا، دون بحث عن أى مكاسب سياسية أو مغانم شخصية.  وحين اقتحم المقتحمون مقرات جهاز أمن الدولة، قدم هذا الجيل أنموذجا رائعا، فلم يصدقوا ما فى هذه الملفات من باطل كثير، وصدق قليل، وبفضل وعى هذا الجيل العظيم، ألقيت هذه التقارير الخبيثة فى سلة المهملات.  هذه هو إنجاز جيل الثورة، عطاء، وحب، وتفان، من أجل مصر.  


حين تسلم العجائز المسؤولية، قدموا لنا أول ما قدموا استفتاء مارس، ثم أتبعوا ذلك بمجموعة من التوافقات المخجلة! وقام الشباب مرة أخرى، وصححوا الأوضاع فى أحداث محمد محمود، وانتزعوا من المجلس العسكرى موعد الرحيل.  وتابع العجائز مصائبهم بمزيد من الاتفاقات التى تقصى جيل الشباب، فلا هم فى وزارة، ولا هم فى جمعية تأسيسية، ولا هم فى أى موقع من المواقع التى تعلمهم كيف يصبحون قادة الغد! والأسوأ من ذلك أن معارك الأمس أصبحت حاضرة، وورط الجيل القديم جيلا بريئا فى معارك لا دخل لهم بها.  


الجميل فى المشهد الآن – برغم كل سلبياته – أن المجتمع المصرى قد أثبت أنه لن يستعبد بعد اليوم، وأنه حى فتى، وأنه يتعلم كيف يسير على طريق الحرية، وأن أى شخص أو مؤسسة أو جماعة أو كيان سيقف فى وجهه سيخسر…! أما أجمل ما فى المشهد فهو وعى هذا الجيل العظيم، وقد اتضح ذلك فى البيان الصادر من مكاتب الطلاب فى حزب الدستور والتيار الشعبى والتحالف الشعبى، والذى استنكر فيه هؤلاء الشباب رفضهم التام لتواجد رموزهم وقياداتهم كتفا بكتف مع فلول النظام السابق فيما يدعى «بجبهة حماية الثورة» واعتبروا ذلك إهانة لثورتهم وللكيانات التى ينتمون لها.  المطلوب الآن أن نقى المجتمع شرا مستطيرا لن يحدث إلا بالتعلم من جيل الشباب، وهذه دعوة لسياسيى القرن الماضى بالتقاعد من أجل خير مصر.  ولو حدث ذلك.. فسيكون ذلك أجمل ما فى المشهد حقا! عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..

المقال السابق

الخلافة والإسلام السياسى

المقال التالي

واحنا مالنا!

منشورات ذات صلة
Total
0
Share