في البداية لا بد من تهنئة كل أهل قطر بدءً من أميرها وأسرته الكريمة ، وصولا إلى آحاد الشعب القطري الطيب الكريم على هذا الأداء الرائع ، وعلى هذه الجدية الكبيرة التي تم التعامل بها مع ملف استضافة كأس العالم 2022 في الدوحة .
سألني صديق عزيز من أهل قطر منذ أسابيع قليلة عن توقعاتي في هذا الشأن ، فقلت له جازما إن فوز قطر بهذا الأمر مستحيل !
وحين سألني عن السبب ، أجبته بأن قطر تملك كل مؤهلات استضافة بطولة ناجحة ، ولكنها لا تملك الجمهور الذي يملأ الملاعب ، وهذه عقبة لن تستطيع الفيفا أن تتسامح معها بأي شكل من الأشكال . وقد اتفق معي هذا الصديق على أن الفرص تكاد تكون منعدمة .
ويبدو أن أول ما يقدمه فوز قطر بهذا الملف هو درس لكل من يكثر من استخدام كلمة مستحيل (وأنا منهم في هذا الموضوع على الأقل) ، ودرس كذلك لكيفية التعامل مع المشكلات ، بعد تحليلها ووضعها في حجمها الحقيقي .
لقد استطاع المشرفون على هذا الملف إقناع الفيفا بأنهم سيحلون مشكلة الجمهور من خلال تسهيل دخول كافة الزائرين في المدن القريبة كالمنامة ، والرياض ، والكويت ، ومسقط ، وأبوظبي … الخ
وبهذا يتضاعف عدد المشاهدين المتوقع مجيئهم عشرات المرات ، ويصبح عدد سكان قطر لا علاقة له بالموضوع ، ويصبح الموضوع كأننا في دولة كبيرة ، ولكن تم تجميع أماكن المباريات في مكان واحد ، مما يعطي فرصة للمشاهد لمشاهدة أكثر من مباراة في اليوم ، وكذلك متابعة أكثر من مجموعة في نفس المكان …!
أما مسألة القدرة الفندقية لقطر ، فحلها من خلال مضاعفة قدرات قطر الفندقية ، وكذلك بتشغيل فنادق الدول القريبة من قطر لاستضافة الزائرين من مناطق بعيدة ، وهذا يعود بنفع على الجميع .
كل هذه الحلول المبتكرة في هذا الموضوع (وفي غيره من المواضيع) مكنت ملف قطر من أن يكون ملفا مقنعا ، متكاملا ، محترما ، محترفا !
وهذه الحلول المبتكرة لم تكن لتقدم لولا أن المسؤولين عن هذا الملف مجموعة من الشباب صغار السن ، الذين لم ترهقهم أساليب الكبار ، وكثرة (مسلماتهم) ، وقد تعاملوا مع الموضوع بجرأة شديدة ، وبأسلوب غير تقليدي نتج عنه هذا الملف المشرف .
من ضمن مميزات فوز قطر بهذا الأمر أنها أظهرت أمريكا أيضا في موقف المتكبر المتغطرس (كالعادة) ، وأظهرت أن لك مجتهد نصيبا ، حتى وإن كان منافسه أكبر .
بقيت نقطة أخيرة ، وهي كلمة حق أراني ملزما بقولها ، وأنا أعرف أن كلمة الحق تكاد تخطف مني كل الأصدقاء ، ولكني سأقولها ، وأجري على الله !
إن كل دولة تنظم كأس العالم تتعهد بأن تستضيف جميع المتأهلين لهذه الكأس ، بغض النظر عن علاقاتها السياسية مع أي دولة متأهلة ، وبالتالي لا يمكن لدولة مثل تركيا أن تعترض على مشاركة اليونان في كأس العالم لو أقيم على أرضها ، ولا يمكن لباكستان أن تعترض على اشتراك الهند ، وإلى آخر هذه العداوات التاريخية التي نعرفها جميعا .
وهناك تعهد أيضا يتعلق بمشاركة إسرائيل ، فكل الدول تتعهد (تعهدا غير مكتوب) بأن تتعامل مع هذا الموضوع بتسامح كبير !
كل هذه الأمور أعتقد أنني (وغيري) نتفهمها تماما … ولكني – والحق أقول – لم أستطع أن أتفهم معنى أن يظهر طفل إسرائيلي يتمنى أن يلعب مباراة مع طفل عربي خلال فقرات العرض !
إنه إقحام لمواضيع سياسية في موضوع رياضي لا علاقة له بالأمر من قريب أو بعيد !
أنا أعلم أن هناك ابتزازا يمارس من كثير من المؤسسات الدولية الكبيرة (وقد تكون الفيفا منها) في موضوع إسرائيل مع الدول العربية ، ولكني متأكد من أن ملف قطر الرائع ، المدهش ، المتفوق عن غيره بمسافات كبيرة ، لم يكن ليتأثر أو لتهتز صورته أمام اللجنة التنفيذية ، لو حذف منه هذا الطفل الإسرائيلي المحب للسلام !!!
أتمنى أن يتقبل أهل قطر هذه الملاحظة ، وأتمنى أن نتعلم مما حدث ، لأن نجاح هذا الملف يعطينا – نحن العرب – آمالا كبيرة في النجاح في ملفات أخرى ، تتعلق بأحوالنا المزرية أكثر مما تتعلق بالرياضة … وأكرر تبريكاتي لقطر الحبيبة …
عبدالرحمن يوسف
arahman@arahman.net