(المقال منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 24/11/2010 م )
لمن أركع وأسجد ؟ أين هو هذا الإله الذي يطالبني بكل هذا الخضوع ؟ إذا كان موجوداً وله كل الصفات الكاملة والأسماء الحسنى فلماذا يرضى بكل هذا الظلم والقهر في الدنيا ؟ إذا كان يطالبنا بالإيمان ، فلماذا خلق الكفر ؟ إذا كان ربا لكل الناس ، فلماذا يقرب من يؤمن به ، ويقصي من يكفر به ؟ هكذا قال صديقي الملحد في بداية سهرتنا العاصفة !
لم أستغرق وقتاً طويلاً في الإجابة على أسئلته ، ليس تكبراً عليه ، ولكن لفرط سذاجتها !
الإلحاد – في رأيي – فكرة ساذجة ، وأراها كذلك لسببين ، السبب الأول : سبب عقلي ، فالملحد حين يقول : لا إله ، تتحول جميع المخلوقات أمامه إلى خصوم ، خصوم تطالبه بأن يجيب على سؤال بسيط جداً ، خلاصته : إذا لم يكن للكون خالق فمن أين جئنا ؟
هل هناك سذاجة أكبر من أن تخاصم جميع مخلوقات الكون ؟ أعتقد … لا يوجد !
كل طائر ، وكل حيوان ، وكل خلية أصغر من الأميبا ، وكل ذرة أو بروتون أو نيوترون … كل هذه المخلوقات تطالب الملحد بالإجابة عن مصدر الوجود ، وما أتعس الإنسان إذا كان كل ما ومن في الكون خصمه !
السبب الثاني : سبب نقلي ، فالله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم اعتبر فكرة الإلحاد فكرة هامشية ، ذلك أن القرآن قد رد على معتقدات أهل الكتاب في مئات الآيات ، وناقش بمنتهى الجدية ادعاءات الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، والذين قالوا عزير ابن الله … الخ
ولكن حين جاء إلى فكرة الإلحاد ، مر عليها سريعاً ، قال تعالي : \” أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ *وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ \” صدق الله العظيم .
إي أن الله سبحانه لم يعتبر فكرة الإلحاد مهدداً حقيقياً للبشرية ، ولم يتعامل مع الأمر بجدية تعامله مع المعتقدات الضالة الأخرى التي تؤمن بالرب بشكل مغلوط .
في سهرتي مع ذلك الشخص الملحد كنت متأكداً أنني سأجد المدخل المناسب لتفنيد فكرة الإلحاد من أساسها بشكل مقنع ، وقد كان !
عرفت أثناء حديثه بزهو عن نفسه أنه مصمم معماري ، وحين بدأ يشرح رسومات مبنى من تصميمه بدأت بمحاولة إظهار بعض التناقضات في التصميم ، ولكنه أجاب عن كل أسئلتي ، وفند كل ادعاءات التناقض أو النقص الموجودة في التصميم .
سألته بعدها بماذا ستشعر لو نسب هذا التصميم الرائع لشخص آخر ؟ أجاب بشتى تعابير الشعور بالظلم والغضب !
وحين سألته كيف سيشعر لو نسب هذا التصميم للعدم ؟ سكت !
انتقل الحوار بسلاسة من استحالة أن يكون هذا التصميم بكل ما فيه من جمال وإحكام قد صمم نفسه بنفسه ، إلى استحالة أن يكون الكون كذلك !
إن الكون الذي نعيش فيع عبارة عن تصميم ، وهو تصميم معجز بكل ما تحوي كلمة الإعجاز من معايير ، ويستحيل أن يكون هذا التصميم قد وجد بدون مصمم !
لقد التقط الفكرة ، ولست أدري مصيره اليوم ، ولكني أجزم أن مصيره الإيمان بإذن الله ، فالإيمان مزروع في القلب كل إنسان كالحب والكره والأكل والشرب والجنس .
يذكرني ذلك بقصة الطالب الذي ابتعث للدراسة إلى أوروبا ، وحين عاد إلى القاهرة ( وكان مصرياً ) قال لقومه تلك الجملة السخيفة : أنا ملحد !
فلم يصدقه أحد وقال له أهل الحكمة : أنت مؤمن يا بني ، فالله موجود في قلوبنا جميعاً … فقال : بل أنا ملحد ، لا أؤمن بالهكم ، ولا بنبيكم ، ولا بكتابكم ! وحين أصر أهل الحكمة على عدم تصديقه ، قال لهم : والله العظيم أنا ملحد !
عبدالرحمن يوسف
arahman@arahman.net
جميع المقالاتكيف يسيطر الحكام العرب؟(3)كيف يسيطر الحكام العرب؟(2)كيف يسيطر الحكام العربالانقلاب السودانيدولة ريشتطبيقات على شر البليّةأحلام الت