(المقال منشور بجريدة الشرق القطرية الأربعاء 14-4-2010 م )
يسألني الكثيرون: ألا تخاف ؟ ، ويتطوع الكثيرون بالإجابة عن هذا السؤال – نيابة عني – بقولهم \” فلان لا يخاف \” !
سبب السؤال بعض القصائد السياسية التي توصف بالجرأة، وسبب الإجابة (بالنيابة عني) أنني مازلت مصراً على نفس المنهج الشعري.
ولكن – والحق أقول – أريد أن أعترض على السؤال ، وعلى الإجابة !
وجه اعتراضي على السؤال أنه يرسخ ثقافة الخوف في قلوب الناس، وكأن الأصل في الإنسان أن يكون جبانا، إمعة، تافها، مسيراً … لا حول له ولا قوة !
ووجه اعتراضي على الجواب أنه خاطئ .
أنا أخاف !
بل أخاف جداً ، وليست البطولة أن لا يخاف المرء ، بل أن ينتصر على مخاوفه ، ولو كان المرء لا يخاف من الارتفاعات الشاهقة ، فلا بطولة له حين يطل من شاهق ، إن عدم الخوف يحول الإنسان إلى شيء شبيه بالملائكة ، وهم مخلوقات لا فضل لهم بعبادتهم لله، فهم مفطورون على ذلك ، يسبحون الله آناء الليل وأطراف النهار .
إن الخوف شعور إنساني نبيل ، وهو مفجر لطاقات فردية وجماعية كبرى ، فكم من الأفراد ارتكب من أفعال البطولة الكثير لأنه يخاف على أسرته أو عرضه أو رزقه أو أرضه ، وكم من الشعوب والجيوش تقشفت وعانت خوفاً على وجودها من تهديدات عظمى !
بل إن الخوف محرك للعمل الأخروي عظيم، لا العمل الدنيوي فقط !
قال تعالى: \”ولمن خاف مقام ربه جنتان\” ، والقرآن يعترف بقدرة الظالمين على تخويف أهل الخير ، يقول سبحانه: \” إنما ذلِكمُ الشيطان يُخَوِّفُ أَولياءه \” أَي يجعلكم تخافون أَولياءه ، أو كما قال بعض المفسرين: يخوفكم بأَوليائه .
لست أرى عيـبا في الخوف ، ولست أرى عيباً في أن أصرح بخوفي ، ولست من الذين يحتقرون الشعوب التي تخاف ( وعلى رأسها الشعوب العربية )، بل أحترم مخاوفهم نظراً لمعرفتي بظروف المعيشة والتربية ، وكما أحترم مخاوف الشعوب أدعو كل الناس إلى الانتصار على مخاوفهم على كل المستويات الفردية والجماعية .
لولا الخوف لما تحرك التاريخ ، ولما أنجزت عشرات الاختراعات العسكرية والمدنية ، فلولا الخوف من الحيوانات لما اخترعت حربة ، ولولا الخوف من الطقس لما بنى إنسان بيتاً، ولولا الخوف من الغد لما ادخر إنسان مؤونة ، ولولا الخوف من نار الله لما امتنع إنسان عن الظلم !
إذن … لماذا نحاول دائماً أن نصنع من البطل صورة الإنسان الذي لا يخاف ؟
لست أدري ، ولكن ربما – أقول ربما – لأننا نخاف …!
وبالتالي نظن الأبطال أشخاصاً مختلفين عنا، فنحن معذورون لأننا نخاف، وهم محظوظون لأنهم لا يخافون !
وبهذا نعفي أنفسنا من المهمة الصعبة المتعلقة بالانتصار على خوفنا، ونستسلم لوهم البطل أو السوبرمان .. الذي لا يخاف !
وللحديث بقية …
عبدالرحمن يوسف
[email protected]