أحلام اليقظة في الشأن الإيراني

المقال منشور بموقع عربي21 بتاريخ 07-01-2018               

يحتار المراقب للشأن العام من تلك الأنظمة العربية التي تزعم أنها قادرة على تغيير خرائط العالم، والتحكم في مجرى التاريخ، بل إن بعضها يزعم أحيانا قدرته على تشكيل الجغرافيا السياسية للعالم، كل ذلك دون عمل حقيقي من أجل ذلك.

وبرغم امتلاك بعض تلك الأنظمة لمئات المليارات من الدولارات إلا أنها لم تتمكن سوى من شراء بضائع استهلاكية ترفيهية تافهة، أو شراء بعض الذمم الخربة أفرادا أو جماعات أو مراكز بحثية أو شركات دعاية. أما شراء المعرفة، ونقل هذه المعرفة للشعوب العربية فهذا أمر دون خرط القتاد كما قيل في المثل العربي القديم.

يستطيع المال أن يشتري شركة (بلاك ووتر) وما شابهها، ويستطيع أن يشتري أكاونت تويتر لرئيس أكبر دولة في العالم، بل يستطيع أن يشتري الرئيس نفسه، ولكنه لا يستطيع أن يبني أمة ناهضة، أو أن يزرع عقيدة في قلب جندي، أو أن يلهم خيال جيل يتطلع للأفضل.

                                                   *   *       *

بعض هذه الدول كالسعودية والإمارات تملك مالا وفيرا، وثروات طائلة، والمال من مؤهلات التفوق والانطلاق خصوصا في عصرنا الحديث، ولكن هذه الدول لا توظف هذه الثروات إلا في الشر والسفه.

فتراهم يتآمرون على الآخرين آناء الليل وأطراف النهار، وينفقون ببذخ على أشكال الترفيه التي لا هدف من ورائها، اللهم إلا تغييب الشعوب وإفساد النشء. 

وبعض هذه الدول تملك طاقات بشرية هائلة، مثل مصر، فهي تملك من أبنائها في الداخل والخارج ما يمكنها من تصميم مشروع قومي للنهوض، وتملك من أبنائها المخلصين ما يؤهلها للمنافسة عالميا في شتى المجالات، ولكن تجد الأنظمة المصرية – على اختلاف العصور – تقمع هذا الشعب، ولا هم لها سوى تدجين الشباب، وتيئيسه، بحيث يكفر بكل قيمة وطنية أو أخلاقية، وتصبح الهجرة حلمه الوحيد، وإذا لم يتمكن من الهجرة فهو مهموم بلقمة العيش، ولا وقت عنده لأي عمل من أي نوع.

يستغرب المرء من نظام يملك جيلا كذلك الجيل المصري العظيم … كيف يطلق عليهم الرصاص؟ ويحكم عليهم بالإعدام؟ ويرميهم في المعتقلات بعشرات الآلاف؟ ويتفنن في اضطهادهم بكل وسيلة ممكنة !؟

*       *       *

هذا النوع من الأنظمة لا هم له سوى الاستمرار في السلطة، وإنجازهم الوحيد هو البقاء على قيد الحكم، ولا يوجد أي مشروع وطني حقيقي لأي منها.

وفي الوقت نفسه يخدمون مشاريع الآخرين – وهي تهديد وجودي لشعوبهم وللأمة كلها – بكل ما يمكنهم من وسائل، وبإخلاص عزّ أن تجد له مثيلا، إنهم خونة بإخلاص، وفاشلون بجد، ومجرمون بدأب.

هؤلاء … يريدون مواجهة المشروع الإيراني الشيعي الطائفي التوسعي المنظم، ولا نجد ما نقوله سوى :

زَعَمَ الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مِرْبَعاً  *** أبشِرْ بطولِ سلامة يا مِرْبَعُ !

*       *       *

يظن البعض – وتتمنى بعض الأنظمة العربية – أن النظام الإيراني من الممكن أن يسقط ببعض التظاهرات في عدة مدن، وهو أمر إن دلَّ على شيء فيدل على نقص معلوماتي كبير بالشأن الإيراني، فنحن أمام نظام يطور نفسه باستمرار، ويصحح خطواته أولا بأول، إنه نظام راسخ، قوي، وأسباب قوته كثيرة، ولكن هناك سببان رئيسان يتحكمان في قوته واستمراره، الأول : هو تمتعه بظهير شعبي ضخم، فهؤلاء الملالي – شئنا أم أبينا – خلفهم عشرات الملايين من المؤمنين الذين يقدسون كل كلمة يقولونها، وهم على استعداد للموت في سبيل حماية هذا النظام طاعة لهؤلاء الآيات.

أما الأمر الثاني : فهو أن هذا النظام يملك من أدوات السيطرة والمراقبة والتحكم والقمع ما لا يخطر على بال بشر !

ورجال الدولة الإيرانية على استعداد تام لاستخدام كل تلك الأدوات إن اضطروا، ربما أكثر مما فعله الشاه في سبعينيات القرن الماضي.

صحيح أنه من الصعب أن يصل النظام الإيراني إلى هذه المرحلة – بسبب ظهيره الشعبي الذي يحميه – ولكن نظرة فاحصة لرجال الدولة الإيرانيين سيجعلك تتأكد أنهم في لحظة معينة سيكونون مستعدين لاستخدام أقوى وأقسى وأقصى درجات البطش والقمع حماية للنظام.

إن هذا النظام الإيراني قد استطاع أن يوظف غالبية الشيعة في العالم كله، يذكرنا سلوكهم بالصهاينة الإسرائيليين الذين لم يتركوا يهوديا على كوكب الأرض دون أن يكون له دور في مشروعهم الاستعماري العنصري (فعل الإيرانيون ذلك في الوقت الذي ازداد فيه اضطهاد العرب للأقليات الشيعية العربية).

في الوقت نفسه نرى الدول السنيّة – أو التي تزعم أنها سنيّة – لا تكاد تترك وسيلة من الوسائل لقمع الإسلام السني الوسطي إلا وسلكتها.

فكيف والحال هو الحال يتوقع البعض أن تنتصر تلك الممالك المزعومة على هذا النظام الذي يحتل عدة عواصم عربية بالفعل؟!

*       *       *

من كل ما سبق يصبح من المضحك المبكي أن نرى بعض الحمقى يتخيلون أن ما يحدث في إيران من تظاهرات هو من صنع تلك الأنظمة العربية الكسيحة !

إن مجرد التفكير في هذا الأمر نكتة، فهؤلاء العربان الذين هزموا في كل المحافل، وإيران تكاد تصل صواريخها إلى قصورهم الملكية، حين أرادوا أن يحققوا نصرا على الإيرانيين لم يحققوه إلا في شريط فيديو جيم … ثم يأتي اليوم محلل سياسي أحمق ويطلب منا أن نصدق أن هؤلاء قد حركوا الجماهير الإيرانية لإسقاط نظام الملالي!

إذا أردنا مواجهة إيران فلنواجه أنفسنا أولا، ولنسقط هؤلاء الخونة الذين يتحكمون في غالبية الدول العربية، فتمدد المشروع الإيراني ما حدث إلا بسبب الفراغ الذي تركناه نحن بسب حكام من أمثال هؤلاء السفهاء.

أما أحلام اليقظة فلا محل لها في عالم اليوم !

ملحوظة : الحراك الحادث في إيران الآن له مطالب عادلة، ويعبر عن شرائح كبيرة في المجتمع، شرائح تضررت من مغامرات سياسية وعسكرية خارجية تكلف خزانة الدولة مليارات الدولارات، في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المواطنين أشد المعاناة من أجل الحصول على لقمة عيش شريفة. أما مسألة الأيادي الخارجية التي يتحدث عنها النظام الإيراني… فما أشبه العرب بالفرس في هذا الأمر !

رابط المقال على موقع عربي21

المقال السابق

عام جديد!

المقال التالي

الواقع بين الشك واليقين!

منشورات ذات صلة
Total
0
Share